الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الشَّهِيدُ هُوَ الشَّهِيدُ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَمْسَةٌ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَالْمَعْدُودَ بَعْدَهُ بَيَانٌ لَهُ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي، وَبِأَنَّ الشَّهِيدَ مُكَرَّرٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ مِنَ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَتَقْدِيرُهُ: الشَّهِيدُ الْمَطْعُونُ وَالشَّهِيدُ كَذَا إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أُعْلِمَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ سَبْعَةٍ وَخَمْسَةٍ وَلَا بَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ خَصْلَةَ شَهَادَةٍ بِطُرُقٍ جَيِّدَةٍ وَتَبْلُغُ بِطُرُقٍ فِيهَا ضَعْفٌ أَزْيَدُ مِنْ ثَلَاثِينَ، وَسَيَكُونُ لَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْدَةٌ لِذِكْرِهَا فِي الْجَنَائِزِ.
(وَقَالَ) أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أَيِ الْأَذَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ السِّرَاجِ (وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا لِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِأَنْ يَقَعَ التَّسَاوِي (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أَيْ يَقْتَرِعُوا (عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أَيِ اقْتَرَعُوا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ: لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا، فَضَمِيرُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَذَانِ وَالصَّفِّ.
(وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) الْبِدَارِ إِلَى الصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَقَبْلَهُ وَانْتِظَارِهَا (لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) اسْتِبَاقًا مَعْنَوِيًّا لَا حِسِّيًّا لِاقْتِضَائِهِ سُرْعَةَ الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
(وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أَيِ الْعِشَاءِ (وَالصُّبْحِ) أَيْ ثَوَابِ صَلَاتِهِمَا فِي جَمَاعَةٍ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) عَلَى الْمَرَافِقِ وَالرُّكَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثُمَّ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ فِي وَاحِدٍ، أَحَدُهَا: نَزْعُ الْغُصْنِ، وَالثَّانِي: الشُّهَدَاءُ، وَالثَّالِثُ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، هَكَذَا يَرْوِيهَا جَمَاعَةٌ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ هِيَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى، وَسَقَطَ الثَّالِثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ هُنَا وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُ فِي بَابِ النِّدَاءِ انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ الثَّالِثِ هُنَا حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاحِدٌ مُطَابِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ فَسَاقَهَا الْإِمَامُ كَمَا سَمِعَهَا، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ مِنْهَا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَخِيرُ، وَاللَّذَانِ قَبْلَهُ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنَ، وَكَأَنَّ ابْنَ يَحْيَى لَمَّا رَأَى الثَّالِثَ تَقَدَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذِكْرَهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ فَأَسْقَطَهُ وَمَا دَرَى عَدَمَ مُطَابَقَةِ مَا ذَكَرَهُ لِلتَّرْجَمَةِ، وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ لِأَنَّهُ حَافِظٌ وَوَافَقَهُ جَمِيعُ رُوَاةِ مَالِكٍ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِتَمَامِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute