جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ "، وَفِيهَا أَيْضًا اخْتِصَارٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ لَهُمُ اجْلِسُوا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمُ ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ قِيَامًا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقْعُدُوا فَقَعَدُوا، فَنَقَلَ كُلٌّ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَحُمَيْدٍ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعَتْهُمَا عَائِشَةُ وَكَذَا جَابِرٌ فِي مُسْلِمٍ، وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَعَدَ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ أَنَسٌ، وَبَعْضُهُمْ قَامَ حَتَّى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ، وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ قُعُودِ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِلْزَامِهِ النَّسْخَ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقَادِرِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ، وَجَمَعَ آخَرُونَ بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ إِنْ كَانَ سَابِقًا لَزِمَ النَّسْخَ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِعَادَةٍ، إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ. . . . إِلَخْ، لِأَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ السَّابِقَ وَصَلَّوْا قُعُودًا لِقُعُودِهِ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ ثُمَّ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا يَعُودُونَهُ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِمَا لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ نَافِلَةً وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ فَرِيضَةً وَابْتَدَءُوا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِالْجُلُوسِ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.
(فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ) إِمَامًا (لِيُؤْتَمَّ) لِيُقْتَدَى (بِهِ) وَيُتَّبَعَ، وَمِنْ شَأْنِ التَّابِعِ أَنْ لَا يَسْبِقَ مَتْبُوعَهُ وَلَا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَوْقِفِهِ بَلْ يُرَاقِبُ أَحْوَالَهُ وَيَأْتِي عَلَى أَثَرِهِ بِنَحْوِ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: زَادَ مَعْنٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ: " فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ "، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ أَنَّ مَنْ خَالَفَتْ نِيَّتُهُ نِيَّةَ إِمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، إِذْ لَا اخْتِلَافَ أَشَدُّ مِنِ اخْتِلَافِ النِّيَّاتِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْأَعْمَالِ انْتَهَى.
وَفِي التَّمْهِيدِ رَوَى الزِّيَادَةَ ابْنُ وَهْبٍ وَيَحْيَى بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَلَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا بَلَاغَاتُ مَالِكٍ وَقَدْ رَوَاهَا مَعْنٌ وَأَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا انْتَهَى.
وَثَبَتَتْ زِيَادَةُ مَعْنٍ هَذِهِ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَفَادَتْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكْفِي اتِّبَاعُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.
(فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ) أَيْ أَجَابَ الدُّعَاءَ (فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بِالْوَاوِ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا إِلَّا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِدُونِهَا وَرَجَّحَ إِثْبَاتَهَا بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَبِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى زَائِدًا لِأَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: رَبَّنَا اسْتَجِبْ أَوْ رَبَّنَا أَطَعْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ مَعًا، وَرَجَّحَ قَوْمٌ حَذْفَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ فَتَصِيرُ عَاطِفَةً عَلَى كَلَامٍ غَيْرِ تَامٍّ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ثَبَّتَتِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَالْوَجْهَانِ جَائِزَانِ بِغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute