تَرْجِيحٍ، وَزَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهُ: وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، (فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ إِمَامَةِ الْجَالِسِ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ وَجُلُوسُ مَأْمُومِهِ الْقَادِرِ مَعَهُ لَكِنَّ الثَّانِيَ مَنْسُوخٌ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُ وَصَفَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَصْلًا فَصْلًا، وَانْتَقَلَ إِلَى الِائْتِمَامِ بِهِ فِي حَالِ الْجُلُوسِ وَهُوَ مَوْضِعُ التَّشَهُّدِ فَأَمَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَأُيِّدَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا تَعْظِيمًا لَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ تَوَاضُعًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " إِنْ «كِدْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ سِيَاقَ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَأْبَاهُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْجُلُوسِ فِي الرُّكْنِ لَقَالَ: وَإِذَا جَلَسَ فَاجْلِسُوا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، فَلَمَّا عَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا كَانَ كَقَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا (أَجْمَعُونَ) بِالْوَاوِ فِي جَمِيعِ طُرُقٍ حَدِيثِ أَنَسٍ تَأْكِيدًا لِضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: فَصَلُّوا، وَأَخْطَأَ مَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَجْمَعِينَ بِالْيَاءِ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ جُلُوسًا مُجْتَمِعِينَ، أَوْ عَلَى التَّأْكِيدِ لِضَمِيرٍ مُقَدَّرٍ مَنْصُوبٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَعْنِيكُمْ أَجْمَعِينَ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالتَّدَرُّبِ عَلَى أَخْلَاقِهَا وَالتَّأَسِّي لِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا سُقُوطٌ وَنَحْوُهُ بِمَا اتَّفَقَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَبِهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الْأَسْقَامِ وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي مِقْدَارِهِ لِذَلِكَ، بَلْ لِيَزْدَادَ قَدْرُهُ رِفْعَةً وَمَنْصِبُهُ جَلَالَةً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute