يُشَارِكُهَا وَهِيَ الصُّبْحُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوُسْطَى مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ لِأَنَّهَا وُسْطَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لِتَأَكُّدِ فَضْلِهَا عَنِ الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعَهَا، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَثَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَالَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ مُخَالِفِينَ نَصَّ إِمَامِهِمْ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لَكِنْ صَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا الصُّبْحُ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.
أَيْ لِأَنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ مَذْهَبَهُ مَحَلُّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَمَّا إِذَا احْتَمَلَ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ فَلَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقِيلَ الْمَغْرِبُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهَا مُعْتَدِلَةٌ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَأَنَّهَا لَا تُقْصَرُ فِي الْأَسْفَارِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ مَضَى عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا وَالتَّعْجِيلِ بِهَا فِي أَوَّلِ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَلِأَنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَا سِرٍّ وَبَعْدَهَا صَلَاتَا جَهْرٍ وَقِيلَ الْعِشَاءُ، نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ وَالْقُرْطُبِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ وَلِأَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ النَّوْمِ فَلِذَا أُمِرْنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَهُ الْوَاحِدِيُّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْوُسْطَى يَحْتَمِلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى فَاضِلَةٍ نَحْوِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٣) أَيْ فَاضِلَةً، قَالَ: أَوْسَطُهُمْ وَأَنَّ وَقْتَهَا يَتَوَسَّطُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَنْ تُوصَفَ بِذَلِكَ لِلتَّخْصِيصِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ صَلَاةٍ وُسْطَى، وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَكُلُّ صَلَاةٍ يَصِحُّ أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا وُسْطَى، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ الْفَضِيلَةِ الصُّبْحُ أَحَقُّهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِ فَضِيلَتِهَا إِذْ لَيْسَ فِي الصَّلَوَاتِ أَشَقُّ مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي أَلَذِّ أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَيُتْرَكُ لَهَا كَالِاضْطِجَاعِ وَالدِّفْءِ وَيَقُومُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَيَتَنَاوَلُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَوَقْتُهَا أَوْلَى بِأَنْ تُوصَفَ بِالتَّوَسُّطِ لِأَنَّهَا لَا تُشَارَكُ اهـ.
وَقِيلَ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ مَعًا لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ الصُّبْحُ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ الْعَصْرُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الِاخْتِلَافُ الْقَوِيُّ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى إِنَّمَا هُوَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ: جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحُجَّةُ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: ٢٣٨] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٣٨) يَتَنَاوَلُ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ فَعَطَفَ عَلَيْهِ الْوُسْطَى وَأُرِيدَ بِهَا كُلَّ الْفَرَائِضِ تَأْكِيدًا لَهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: الْجُمُعَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاحْتَجَّ بِمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ وَالْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ فِي الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ مَعًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute