بَعْدَ رَدِّ السَّلَامِ وَلَمْ تَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَغْتَسِلُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ، (مَنْ هَذِهِ؟) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ كَانَ كَثِيفًا وَعَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ الرِّجَالُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُمَيِّزْ صَوْتَ أُمِّ هَانِئٍ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ لَا يَقُولُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُسْمَعُ يُمَيَّزُ صَوْتُهُ.
(فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) فِيهِ إِيضَاحُ الْجَوَابِ غَايَةَ التَّوْضِيحِ كَمَا فِي ذِكْرِ الْكُنْيَةِ وَالنَّسَبِ هُنَا، (فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) بِبَاءِ الْجَرِّ وَفِي رِوَايَةٍ يَا أُمَّ هَانِئٍ بِيَاءِ النِّدَا وَالْأُولَى رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْمَشَارِقِ أَيْ لَقِيتُ رَحْبًا وَسِعَةً، وَفِيهِ كَرَمُ الْأَخْلَاقِ وَتَأْنِيسُ الْأَهْلِ.
(فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ (قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَفْعُولُ فَصَلَّى حَالَ كَوْنِهِ (مُلْتَحِفًا) . أَيْ مُلْتَفًّا (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ لِصَلَاتِهَا مَوْصُولَةً سَوَاءٌ صَلَّى ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمُّ هَانِئٍ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً، (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ) أَيْ قَالَ أَوِ ادَّعَى (ابْنُ أُمِّ عَلِيٍّ) وَهِيَ شَقِيقَتُهُ أُمُّهَمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ لَكِنْ خُصَّتِ الْأُمُّ لِأَنَّهَا آكَدُ فِي الْقَرَابَةِ، وَلِأَنَّهَا بِصَدَدِ الشِّكَايَةِ فِي إِخْفَارِ ذِمَّتِهَا فَذَكَرَتْ مَا بَعَثَهَا عَلَى الشَّكْوَى حَيْثُ أُصِيبَتْ مِنْ مَحَلٍّ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُصَابَ مِنْهُ لَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْأُخُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَشَدُّ فِي الْحَنَانِ وَالرِّعَايَةِ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانُوا يُسَمُّونَ كُلَّ شَقِيقٍ بِابْنِ أُمٍّ دُونَ الْأَبِ لِيَدُلُّوا عَلَى قُرْبِ الْمَحَلِّ مِنَ النَّفْسِ إِذْ جَمَعَهُمْ بَطْنٌ وَاحِدٌ قَالَ هَارُونُ: {يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} [طه: ٩٤] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ ٩٤) ، {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف: ١٥٠] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ١٥٠) وَهُمَا شَقِيقَانِ.
(أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ) بِالرَّاءِ أَيْ أَمِنَتُهُ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَنْ عَزَمَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ وَفِي تَأْخِيرِهَا سُؤَالَ حَاجَتِهَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ جَمِيلُ أَدَبٍ وَحُسْنُ تَنَاوُلٍ.
(فُلَانُ) بَدَلٌ مِنْ رَجُلًا أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، وَبِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ فُلَانُ (ابْنُ هُبَيْرَةَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنُ أَبِي وَهْبِ بْنُ عُمَرَ الْمَخْزُومِيُّ زَوْجُ أُمِّ هَانِئٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا مِنْهُمْ هَانِئٌ الَّذِي كُنِّيَتْ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُ حَمَوَيْنِ لِي، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ: هُمَا جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ مَخْزُومٍ كَانَا فِيمَنْ قَاتَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute