يَقْبَلَا الْأَمَانَ فَأَجَارَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ فَكَانَا مِنْ أَحْمَائِهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنْ كَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ مِنْهَا فَهُوَ جَعْدَةُ كَذَا قَالَ وَجَعْدَةُ فِيمَنْ لَهُ رَوِيَّةٌ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ فِي التَّابِعِينَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، فَكَيْفَ يَتَهَيَّأُ لِمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي صِغَرِ السِّنِّ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْفَتْحِ مُقَاتِلًا حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى الْأَمَانِ؟ ثُمَّ لَوْ كَانَ ابْنُ أُمِّ هَانِئٍ لَمْ يَهُمَّ عَلِيٌّ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَهَرَبَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ وَلَدَهَا عِنْدَهَا، وَجَوَّزَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِهُبَيْرَةَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ نَقْلِهِ أَنَّ أَهْلَ النَّسَبِ لَمْ يَذْكُرُوا لِهُبَيْرَةَ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَجَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بِأَنَّ اللَّذَيْنِ أَجَارَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ هَذَا أَنَّهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا الْحَارِثُ وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هُبَيْرَةَ هَرَبَ عِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى نَجْرَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مُشْرِكًا حَتَّى مَاتَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ فِيمَنْ أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ حَذْفًا كَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ فُلَانُ ابْنُ عَمِّ هُبَيْرَةَ فَسَقَطَ لَفْظُ عَمٍّ، أَوْ كَانَ فِيهِ فُلَانٌ قَرِيبُ هُبَيْرَةَ فَتَغَيَّرَ لَفْظُ قَرِيبٍ بِلَفْظِ ابْنِ، وَكُلٌّ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَزُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ هُبَيْرَةَ وَقَرِيبَهُ لِكَوْنِ الْجَمِيعِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ.
« (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أَيْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ (يَا أُمَّ هَانِئٍ) » قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ جَوَازُ أَمَانِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُقَاتِلُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إِنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ جَازَ وَإِلَّا رَدَّ لِقَوْلِهِ: أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا بِإِسْعَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ صَادَفَتْ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَّجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: " أَتَانِي يَوْمَ الْفَتْحِ حَمَوَانِ فَأَجَرْتُهُمَا فَأَتَى عَلِيٌّ يُرِيدُ قَتْلَهُمَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَمَّنْتُ حَمَوَيْنِ لِي وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي عَلِيًا يُرِيدُ قَتْلَهُمَا، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ "، فَفِي قَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» " إِذْ مَعْنَى يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ يَجُوزُ تَأْمِينُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا اهـ.
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ تَأْمِينِ الْمَرْأَةِ إِلَّا ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونٍ أَيْضًا.
(قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى) أَيْ صَلَاةُ ضُحَى فَفِيهِ إِثْبَاتُ اسْتِحْبَابِ الضُّحَى، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ سَنَةَ الْفَتْحِ وَقَدْ صَلَّاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هَذِهِ الصَّلَاةُ تُعْرَفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِصَلَاةِ الْفَتْحِ وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يُصَلُّونَهَا إِذَا فَتَحُوا بَلَدًا، قَالَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute