عَلَى لُغَةِ بَنِي سَلِيمٍ وَثَبَتَتِ الْيَاءُ فِي الْجَزْمِ إِجْرَاءٌ لِلْمُعْتَلِّ مَجْرَى الصَّحِيحِ أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ أَيْ إِنْ قُمْتُمْ فَوَاللَّهِ لَأُصَلِّيَ لَكُمْ، قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَسَمِ إِذْ لَوْ أُرِيدَ الْقَسَمُ لَقَالَ لَأُصَلِّيَنَّ بِالنُّونِ، وَأَنْكَرَ الْحَافِظُ وُرُودَ الرِّوَايَةِ بِهَذَا وَبِمَا قَبْلَهُ.
(لَكُمْ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٧٥) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُمْ بِالِائْتِمَامِ لَكِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِارْتِبَاطِ فِعْلِهِ بِفِعْلِهِمُ انْتَهَى.
وَبَدَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي قِصَّةِ عِتْبَانَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَدَأَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِ مَا دُعِيَ لِأَجْلِهِ (قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ اسْتُعْمِلَ وَلَبِسَ كُلَّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَفِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ لِبْسِهِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا لَا يَحْنَثُ بِافْتِرَاشِهِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ إِنَّ مَن حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا بِسَاطَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِافْتِرَاشِهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لُبْسًا.
(فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ) لِيَلِينَ لَا لِنَجَاسَةٍ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّضْحُ طَهُورٌ لِمَا شُكَّ فِيهِ لِتَطِيبَ النَّفْسُ كَمَا قَالَ: اغْسِلْ مَا رَأَيْتَ وَانَضَحْ مَا لَمْ تَرَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: ثَوْبُ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَتَيَقَّنَ النَّجَاسَةُ فَالنَّضْحُ الَّذِي هُوَ الرَّشُّ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا نَضَحَهُ لِمَا خَافَ أَنْ يَنَالَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَهُ وَمَعَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّضْحَ لِتَلْيِينِ الْحَصِيرِ أَوْ لِتَطْهِيرِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالْأَخِيرِ بَلِ الْمُتَبَادِرُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ.
(فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ «عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ: " أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَجَعَلَنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٨] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٧٥) فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْحَصِيرِ» ، فَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ضَعِيفٌ، وَهَذَا الْخَبَرُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِمُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَحَدِيثِ الْبَابِ، وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ» "، وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ» ".
(وَصُفِفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ وَبِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَيْ مَعَ الْيَتِيمِ (وَرَاءَهُ) أَيْ خَلْفَهُ وَهُوَ ضُمَيْرَةَ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا سَمَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ، وَجَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي ضُمَيْرَةَ سَعْدُ الْحِمْيَرِيُّ وَيُقَالُ: سَعِيدٌ وَنَسَبَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَيْثِيًّا، وَقِيلَ اسْمُهُ رَوْحٌ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ اسْمَ الْيَتِيمِ رَوْحٌ كَأَنَّهُ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي اسْمِ أَبِيهِ إِلَيْهِ،