وَكَذَا وَهِمَ مَنْ قَالَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْفَتْحِ.
(وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هِيَ مُلَيْكَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا جَزَمَ بِهِ الْحَافِظُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ انْتَهَى وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ.
لَطِيفَةٌ: رَوَى السَّلَفِيُّ فِي الطِّيُورِيَّاتِ بِسَنَدِهِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ زَوْجَ أُمِّ أَنَسٍ قَامَ إِلَيْهَا مَرَّةً يَضْرِبُهَا فَقَامَ أَنَسٌ لِيُخَلِّصَهَا، وَقَالَ لَهُ: خَلِّ عَنِ الْعَجُوزِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَتَقُولُ الْعَجُوزَ؟ عَجَّزَ اللَّهُ رَكْبَكَ.
(فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَاعْتَرَضَ إِدْخَالُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُبْحَةِ الضُّحَى وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَارِ الْأَنْصَارِيِّ الضَّخْمِ الَّذِي دَعَاهُ لِيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ لِيَتَّخِذَ مَكَانَهُ مُصَلًّى، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَجَابَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّ مَالِكًا لَعَلَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَدِيثَ مُلَيْكَةَ كَانَ ضُحًى، وَاعْتَقَدَ أَنَسٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّسْلِيمُ لَا الْوَقْتُ فَلَمْ يَعْتَقِدْهَا صَلَاةَ ضُحَى.
وَأَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ بِأَنَّ مَالِكًا نَظَرَ إِلَى كَوْنِ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ هُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوَى بِتِلْكَ الصَّلَاةِ صَلَاةَ الضُّحَى انْتَهَى.
وَالْجَوَابَانِ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ مَلْحَظَهُمَا مُخْتَلِفٌ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْسًا وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي امْرَأَةً لَكِنْ حَيْثُ تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الدَّعْوَةِ وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةٌ فِي الْبُيُوتِ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهَا بَعْضُ التَّفَاصِيلِ لِبُعْدِ مَوْقِفِهَا، وَفِيهِ تَنْظِيفُ مَكَانِ الْمُصَلِّي، وَقِيَامُ الرَّجُلِ مَعَ الصَّبِيِّ صَفًّا، وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَجَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ سُنَّةَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلَيْسَ لَهَا الْقِيَامُ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ، وَفِي الِاقْتِصَارِ فِي نَافِلَةِ النَّهَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ خِلَافًا لِمَنِ اشْتَرَطَ أَرْبَعًا، وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْفَضْلِ الْوَارِدِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ مُنْفَرِدًا حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ إِذْ ذَاكَ أَفْضَلُ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute