للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دَارُهُ أَنْ لَا يَكْسُلَ، وَمِنْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ أَنْ لَا يُؤْثِرَ أَبْعَدَ الْمَسْجِدَيْنِ مِنْهُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ مَا جَاءَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا دَارًا» " وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ لَا يَمْنَعُهُ أَخْذُ الْمُرَتَّبِ مِنْ ثَوَابِ تَكَرُّرِهِ إِلَيْهِ انْتَهَى.

(وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) قَالَ الْمُظْهِرِيُّ: أَيْ إِذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى يَتَعَلَّقُ ذِكْرُهُ لَهَا، إِمَّا بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهَا أَوْ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ أَوْ يَشْتَغِلُ بِكَسْبِهِ وَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا يَنْتَظِرُ حُضُورَهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ» " انْتَهَى.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ: الْعَصْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَكَذَا انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي كَالصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ، قَالَ: وَفِي ظَنِّي أَنِّي رَأَيْتُهُ رِوَايَةً لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِّيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُشْتَرِكَتَيْنِ لَوْلَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْنِي بِالِانْتِظَارِ الْجُلُوسَ بِالْمَسْجِدِ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِالصَّلَاةِ فَيَعُمُّ الْخَمْسَ، قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ: جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ يَدْفَعُ بِذَلِكَ مَشَقَّةَ الرُّجُوعِ لِبُعْدٍ أَوْ مَطَرٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ نَيْلِ الثَّوَابِ وَفِي الْمَذْكُورِ وَفِي انْتِظَارِ الْإِمَامِ ذَلِكَ بِالدُّوَيْرَةِ الَّتِي بِالْجَامِعِ نَظَرٌ انْتَهَى.

(فَذَلِكُمُ) الْمَذْكُورُ مِنَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الطِّيبِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ أَوِ الْإِشَارَةُ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْأَبِّيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ (الرِّبَاطُ) الْمُرَغَّبُ فِيهِ لِأَنَّهُ رَبَطَ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَحَبَسَهَا عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَفْضِيلَ هَذَا الرِّبَاطِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّبَاطِ فِي الثُّغُورِ وَلِذَا قَالَ: (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) أَيْ إِنَّهُ أَفْضَلُ أَنْوَاعِهِ، كَمَا يُقَالُ: جِهَادُ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ أَيْ إِنَّهُ أَفْضَلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الرِّبَاطَ الْمُمْكِنَ الْمُتَيَسِّرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ.

(فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِ أَوِ الْإِبْهَامِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ ثَوَابَهُ كَثَوَابِ الرِّبَاطِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي بِهِ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: ٢٠٠] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ٢٠٠) وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الرِّبَاطُ هُنَا مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الرِّبَاطُ مُلَازَمَةُ الثُّغُورِ وَالرِّبَاطُ مُوَاظَبَةُ الصَّلَاةِ.

وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: ٢٠٠] لَمْ يَكُنِ الرِّبَاطُ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>