النَّاسِ وَالتَّخَلُّصِ بَيْنَهُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ بِحُدُودِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» " يُرِيدُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ مَا يَكُونُ مِنْهُ فِي صَلَاتِهِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ فِيهِ يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ إِنْ نَابَ الْإِمَامَ شَيْءٌ مِمَّنْ يَعْرِفُ إِصْلَاحَهَا.
(فَصَفَّقَ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ، قَالَ سَهْلٌ: أَتَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا عِنْدَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.
(وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ) لِعِلْمِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ.
(فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ صَفَّقَ مِنْهُمُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ التَّصْفِيقَ.
وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعَادَةِ، فَحُكْمُ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا أَبَاحَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا.
(فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزَةٌ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» " (أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ.
وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ: فَدَفَعَ فِي صَدْرِهِ لِيَتَقَدَّمَ فَأَبَى (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ) أَيِ الْوَجَاهَةُ فِي الدِّينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْحَمْدِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْحَمِيدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرِيَّ.
وَادَّعَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ بِيَدِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْحَمِيدِيِّ مَا يَمْنَعُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ.
وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ: " يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: رَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَنِّي حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ " وَفِيهِ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَالِالْتِفَاتِ لِلْحَاجَةِ، وَأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْمُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ أَوْلَى مِنَ الْعِبَارَةِ.
(ثُمَّ اسْتَأْخَرَ) أَبُو بَكْرٍ أَيْ تَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْبَارٍ لِلْقِبْلَةِ وَلَا انْحِرَافٍ عَنْهَا (حَتَّى اسْتَوَى) فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، فَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ.
(وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى)