فِيهِ: " «يَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ ٧٨) وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] قَالَ: تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِأَنَّهَا جَهْرِيَّةٌ، وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى دَعْوَى تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَلَا سِيَّمَا وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ، وَلِمَ لَا يُقَالُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " ثُمَّ يَعْرُجُ " الَّذِينَ بَاتُوا عَلَى أَعَمِّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ، فَلَا يَخْلُصُ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ، بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ بَاتَ فِي أَقَامَ مَجَازًا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " فَيَسْأَلُهُمْ " أَيْ: كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَصْعَدُ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ: ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي» " الْحَدِيثَ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ، وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرٍ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى، فَمَا أَكْثَرُ فَوَائِدَهُ.
(كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي) الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ ٤٢) وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ.
قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ بِالْجَمِيعِ مِنَ الْجَمِيعِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ وَاسْتِعْطَافِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٣٠) أَيْ: قَدْ وَجَدْتُمْ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِشَهَادَتِكُمْ (فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute