فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ، وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ شَرَعَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِهَا، وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ يُصَلُّونَ؛ أَيْ: يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَبَدَءُوا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ فَلَمْ يُرَاعُوا التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ، لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ، وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ إِخْبَارُهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ، ثُمَّ زَادُوا فِي الْجَوَابِ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ الْمُصَلِّينَ وَالْحِرْصِ عَلَى ذِكْرِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ ذُنُوبِهِمْ، فَقَالُوا: (وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرِ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ فَزَادُوا فِي مُوجَبِ ذَلِكَ، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ، وَإِشَارَةً إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِاجْتِمَاعِ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ، فَمَنْ كَانَ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا، وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ وَالْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا عَنَّا، وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ الْمَلَائِكَةِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، وَكَلَامُ اللَّهِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي التَّوْحِيدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute