فِي الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّي بِهِمْ.
(وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ) أَيْ: أَصَابَنِي مِنْهُ ضُرٌّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْكَرْتُ بَصَرِي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ نَاقِصُهُ فَإِذَا عَمِيَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ضَرِيرٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبَصَرِ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ، وَإِنْ كَفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي عُذْرِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ؛ لِيُبَيِّنَ كَثْرَةَ مَوَانِعِهِ، وَإِنَّهُ حَرِيصٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ.
(فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَحْدُودًا لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ فَأَشْبَهَ خَلْفَ وَنَحْوِهَا أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ؛ أَيْ: فِي مَكَانٍ (أَتَّخِذُهُ) بِالْجَزْمِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ؛ أَيْ: إِنْ تُصَلِّ أَتَّخِذُهُ وَبِالرَّفْعِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبِ صِفَةٍ مَكَانًا أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا (مُصَلًّى) بِالْمِيمِ مَوْضِعًا لِلصَّلَاةِ (فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ " زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِالْغَدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ غَيْرَهُ، حَتَّى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَاسْتَأْذَنَا فَأَذِنْتُ لَهُمَا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عِتْبَانَ فَأَتَانِي وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَحِبَهُ وَحْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ التَّوَجُّهِ، ثُمَّ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ اجْتَمَعَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ فَدَخَلُوا مَعَهُ، (فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟) مِنْ بَيْتِكَ (فَأَشَارَ) عِتْبَانُ (لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ) مُعَيَّنٍ (فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " «فَلَمْ يَجْلِسْ حِينَ دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصْلِيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» ".
وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالطَّيَالِسِيِّ: فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ؟ وَهِيَ أَبْيَنُ فِي الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي بَيْتِ مُلَيْكَةَ جَلَسَ فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَبَدَأَ بِهِ وَهُنَا دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَبَدَأَ بِهَا.
وَفِيهِ إِمَامَةُ الْأَعْمَى، وَإِخْبَارُ الْمَرْءِ بِعَاهَةِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الشَّكْوَى، وَالتَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ، وَاتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لِلصَّلَاةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِيطَانِ مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اسْتَلْزَمَ رِيَاءً وَنَحْوَهُ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
حَدَّثَنِي مَالِكٌ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ بِزِيَادَاتٍ عَلَى مَا هُنَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute