للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَجُّ لِأَنَّهُ امْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ بِالْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِ فَكَيْفَ فِي صَحِيحِهِ! انْتَهَى.

وَفِيهِ نَظَرٌ، فَأَمَّا أَمْرُهُ لِجُوَيْرِيَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صَامَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَاحْتَاجَ لَهَا، وَأَمَّا فِعْلُهُ فَلَعَلَّهُ لِعُذْرٍ وَإِذَا احْتُمِلَ ذَلِكَ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ؛ لِأَنَّ الْقِصَّتَيْنِ مِنْ وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا عُمُومَ لَهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ ٣٣) وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، عَنْ عَائِشَةَ: " «أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَأُهْدِيَتْ لَنَا شَاةٌ فَأَكَلْنَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» " وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ.

( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» ") بِالرَّفْعِ عَطَفَ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ( «قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» ) فَيَلْزَمُكَ إِتْمَامُهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الِاتِّصَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْآيَةُ أَوْ فَلَا يَلْزَمُكَ إِتْمَامُهُ إِذَا شَرَعْتَ فِيهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي اسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِفَرْضِيَّةِ الْإِتْمَامِ بَلْ بِوُجُوبِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْوَاجِبِ مِنَ الْفَرْضِ مُنْقَطِعٌ لِتَبَايُنِهِمَا، وَأَيْضًا فَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّفْيِ لَيْسَ لِلْإِثْبَاتِ بَلْ مَسْكُوتٌ عَنْهُ.

(قَالَ) الرَّاوِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ (وَذَكَرَ) لَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ أَشْيَاءَ أُجْمِلَتْ فِيهَا بَيَانُ نَصْبِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَسَّرْ فِي الرِّوَايَتَيْنِ.

(فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ) طَلْحَةُ (فَأَدْبَرَ) مِنَ الْإِدْبَارِ أَيْ: تَوَلَّى (الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ) جُمْلَةً حَالِيَّةً (وَاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، وَفِيهِ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةٍ، وَجَوَازُ الْحَلِفِ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ (لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ) شَيْئًا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ الرَّجُلُ " أَيْ: فَازَ، قَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ٨] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ٨) وَالْفَلَاحُ أَيْضًا الْبَقَاءُ، وَالْمُرَادُ بِهِ شَرْعًا الْبَقَاءُ فِي الْجَنَّةِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ (إِنْ صَدَقَ) فِي كَلَامِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْدُقْ فِيمَا الْتَزَمَ لَا يُفْلِحُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَلَا الْمَنْهِيَّاتِ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ فَرَائِضِ النَّهْيِ، وَتَعَجَّبَ الْحَافِظُ مِنْهُ لِجَزْمِهِ بِأَنَّ السَّائِلَ ضِمَامٌ وَقَدْ وَفَدَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَأَكْثَرُ الْمَنْهِيَّاتِ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ، فَأَخْبَرَهُ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>