للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ عِيَاضٌ قَائِلًا: إِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَتَعَقَّبَهُ الْأُبِّيُّ بِرُجُوعِ لَفْظِ شَرَائِعَ إِلَى مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَذْكُورَ عَقِبَ خَاصٍّ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ عَلَى الصَّحِيحِ، انْتَهَى.

وَأَقَرَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْحَلِفِ مَعَ وُرُودِ النَّكِيرِ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ خَيْرًا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتِلِ أُولُو الْفَضْلِ} [النور: ٢٢] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ ٢٢) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُطَّ عَنْ غَرِيمِهِ: " تَأَلَّى عَلَى اللَّهِ " قَالَ الْبَاجِيُّ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سُومِحَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. اهـ.

وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا فَلَاحُهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا بِأَنْ لَا يَزِيدَ فَكَيْفَ يَصِحُّ؟ وَلِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيغَ التَّمَادِي عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، أَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ لَا يُفْلِحُ لِأَنَّهُ إِذَا أَفْلَحَ بِالْوَاجِبِ بِالْمَنْدُوبِ مَعَ الْوَاجِبِ أَوْلَى، وَبِأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى غَيْرِ تَارِكِ الْفَرَائِضِ فَهُوَ مُفْلِحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرُ فَلَاحًا مِنْهُ، وَرَدَّهُ الْأُبِّيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْإِشْكَالُ فِي ثُبُوتِ الْفَلَاحِ مَعَ تَرْكِ السُّنَنِ حَتَّى يُجَابَ بِأَنَّهُ حَاصِلٌ إِذْ لَيْسَ بِعَاصٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ ثُبُوتَهُ مَعَ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْفَرْضِ تَسْوِيغٌ لِتَرْكِ السُّنَنِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يُسَوِّغْ لَهُ تَرْكَهَا دَائِمًا وَلَكِنْ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْوَاجِبَاتِ، وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَأْنَسَ، وَيَنْشَرِحَ صَدْرُهُ، وَيَحْرِصَ عَلَى الْخَيْرِ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمَنْدُوبَاتُ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّصْدِيقِ وَالْقَبُولِ، أَيْ: قَبِلْتُ كَلَامَهُ قَبُولًا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّؤَالِ وَلَا نُقْصَانَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْقَبُولِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ تَعَلُّقُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ بِالْإِبْلَاغِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ لِيَتَعَلَّمَ وَيُعَلِّمَهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ لَا أُغَيِّرُ صِفَةَ الْفَرْضِ كَمَنْ يُنْقِصُ الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَةً أَوْ يَزِيدُ الْمَغْرِبَ، وَرَدَّ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ لَا أَزِيدُ وُجُوبًا وَإِنْ زَادَ تَطَوُّعًا أَوْ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِ غَيْرِهِ أَوْ فِي الْبَلَاغِ، قَالَ: وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ، وَقَدْ تَابَعَهُ الرُّوَاةُ، وَلَعَلَّ إِسْمَاعِيلَ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ صَحَّ احْتَمَلَ الْمَعْنَى لَا أَتَطَوَّعُ بِشَيْءٍ الْتَزَمَهُ وَاجِبًا، انْتَهَى.

هَذَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» .

وَلِأَبِي دَاوُدَ مِثْلُهُ لَكِنْ بِحَذْفِ " أَوْ "، وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ، أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحَلِفُ كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِمْ عَقْرِي وَحَلْقِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ فِيهِ إِضْمَارُ اسْمِ الرَّبِّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَرَبُّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ اللَّهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.

وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ: وَاللَّهِ فَقُصِّرَتِ اللَّامَانِ، وَأَنْكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ يَخْرِمُ الثِّقَةَ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَغَفَلَ الْقَرَافِيُّ فَادَّعَى أَنَّ الرِّوَايَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>