عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ قَالَ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ؛ أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي وَلَائِهِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْمَجَازِ بِمُلَازَمَتِهِ أَحَدُهُمَا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ أَوِ انْتِقَالِهِ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إِلَى مِلْكِ الْآخَرِ، وَجَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بِأَنَّهُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَعَلَيْهِ فَنِسْبَتُهُ إِلَى ابْنِ أَزْهَرَ هِيَ الْمَجَازِيَّةُ، وَلَعَلَّهَا بِسَبَبِ انْقِطَاعِهِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَوْفٍ.
(قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَشَكَى) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ (ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تَأْكُلُوا نُسُكَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَا تَأْكُلُوهُ بَعْدَ هَذَا» ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَظُنُّ مَالِكًا إِنَّمَا حَذَفَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَاكَ، فَلَمَّا أَنْ جَمَعَهُمَا اللَّفْظُ غَلَبَ الْحَاضِرُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَالَ: هَذَيْنِ (يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ صِيَامِهِمَا) نَهْيُ تَحْرِيمٍ، (يَوْمُ) بِالرَّفْعِ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ يَوْمَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ ( «فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ» ) بِضَمِّ السِّينِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا؛ أَيْ: مِنْ أُضْحِيَتِكُمْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الضَّحَايَا نُسُكٌ، وَأَنَّ الْأَكْلَ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ كَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٢٨) ، وَ {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٣٦) انْتَهَى.
وَفَائِدَةُ وَصْفِ الْيَوْمَيْنِ: الْإِشَارَةُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي وُجُوبِ فِطَرِهِمَا، وَهِيَ الْفَصْلُ مِنَ الصَّوْمِ وَإِظْهَارِ تَمَامِهِ وَحْدَهُ بِفِطْرِ مَا بَعْدَهُ، وَالْآخَرُ لِأَجَلِ النُّسُكِ الْمُتَقَرَّبِ بِذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ مِنْهُ، وَلَوْ شُرِعَ صَوْمُهُ لَمْ يَكُنْ لِمَشْرُوعِيَّةِ الذَّبْحِ فِيهِ مَعْنًى، فَعَبَّرَ عَنْ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ بِالْأَكْلِ مِنَ النُّسُكِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّحْرَ وَيَزِيدُ فَائِدَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى التَّعْلِيلِ.
(قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ وَقَالَ:) فِي خُطْبَتِهِ ( «إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ» ) هِيَ الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، قَالَ مَالِكٌ: بَيْنَ أَبْعَدِهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةَ أَمْيَالٍ (أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا) حَتَّى يُصَلِّيَهَا (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ) فَيَجُوزُ إِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجَشُونِ، وَأَنْكَرُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute