(وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (قَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بَيْنَ جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي الصَّحِيحِ: «ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ» (فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ» ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ السِّينِ (لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) بَلْ هُمَا مَخْلُوقَانِ لَا تَأْثِيرَ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا فَضْلًا، عَنْ غَيْرِهِمَا، فَفِيهِ بَيَانُ مَا يُخْشَى اعْتِقَادُهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، وَرْدٌ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ تَأْثِيرًا فِي الْأَرْضِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ، عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَكَيْفَ بِمَا دُونَهُمَا؟
( «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا» ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: شَيْئًا صَنَعْتَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ» " فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى.
(ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ) بِتَاءٍ أَوَّلَهُ وَكَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ؛ أَيْ: تَأَخَّرْتَ وَتَقَهْقَرْتَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَعْكَعْتُهُ فَتَكَعْكَعَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَعْكَعَ مُتَعَدٍّ وَتَكَعْكَعَ لَازِمٌ، وَكَعْكَعَ يَقْتَضِي مَفْعُولًا؛ أَيْ: رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ نَفْسَكَ، وَلِمُسْلِمٍ: " «رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ نَفْسَكَ» " بِفَاءَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ مِنَ الْكَفِّ وَهُوَ الْمَنْعُ.
(فَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ) رُؤْيَةَ عَيْنٍ بِأَنْ كُشِفَ لَهُ دُونَهَا فَرَآهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَطُوِيَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءٍ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: " «دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا» " وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا مُثِّلَتْ لَهُ فِي الْحَائِطِ كَمَا تَنْطَبِعُ الصُّورَةُ فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى جَمِيعَ مَا فِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ: " «لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ آنِفًا فِي عَرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَقَدْ مُثِّلَتْ "، وَلِمُسْلِمٍ: " لَقَدْ صُوِّرَتْ "، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الِانْطِبَاعَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَجْسَامِ الصَّقِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَادِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ تَنْخَرِقَ الْعَادَةُ خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَكِنْ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَرَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَرَّتَيْنِ بَلْ مِرَارًا عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الرُّؤْيَةُ الْعِلْمُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا إِحَالَةَ فِي بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا وَوُجِدَتَا، فَيَرْجِعُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِنَبِيِّهِ إِدْرَاكًا خَاصًّا أَدْرَكَ بِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا.
(فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا) أَيْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ بِحَيْثُ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى تَحْوِيلِهِ لَكِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لِي قَطْفُهُ (وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute