للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما رأينا مثله قمراً ... بالبَها يختال متَّشِحا

قام يسقي الراح من يده ... ضاحكاً مستبشراً فرِحا

لو له بدرُ السما لمَحا ... في ليالي تِمِّه لمحا

كلما أشكو له ترحاً ... في هواه زادني ترحا

هذه روحي به ذهبتْ ... صَبوةً والدمعُ قد سفَحَا

وعيونِي النومُ حارَبَهَا ... بعد هِجرانٍ وما اصْطلحَا

واتَّفق له بعد ما أسنّ، أنه خلع الرَّسن، وأزاح عن جفنه الوسن.

فعشق غلاماً يدعى بربَاح هام به هيمان الوليد، وثبت ثبات الحجر الصَّليد.

فشاع فيه تولُّهُه، وما أقْصر حبُّه عن تنزُّهُه.

وقد علم أن الإذاعة، أول طبقات الإضاعة.

ولما ثار عدوه، ولم يصف رواحه وغدوُّه.

أقلع عن صبوته، واحتبى من التخلٍّي بحبوته.

واتَّخذ الفراغ سميرا، ولم يشف للسَّلوة ضميرا.

فما قاله في أيام لهوه، يتشاغل به عن فراغه وسهوه:

راق وقتُ نعِمْتَ صباحَا ... فأدِر لي من خمرِ عينيك راحَا

عاطِنيها سُلافةً من حديثٍ ... تُطرِب السمعَ في الرِّياض انْشِراحَا

وأعِد لي حديثَ كلِّ حديثٍ ... ذاك لا شكَّ يُنعش الأرواحَا

صاحِ طابَ الزَّمانُ فاجْنِ جنَى الْور ... دِ من الشَّادِن الأغنٍّ مِزاحَا

واترُكِ الشغلَ واشتغلْ بحبيبٍ ... علَّ تلقى من الزَّمان رَباحَا

وكتبت إليه أيام ارتباطه، ونشاطه بالصَّبوة واغتباطه.

وقد شلني ما شغله، ورأيت الرَّأي في أن أنصاع له: مولاي الأعلى، وسندِي الأغلى.

قد رُميت بسهمٍ أنت به مُصاب، وشربتُ بكأسٍ أنت بها متجرِّع صاب.

ولم أدرِ كيف فرَّطت، ولا في أي حتفٍ تورَّطت.

غير أن المقدور كائن، والحين لا شكَّ حائن.

وسبب ذلك لمحة، أعقبت محنةً في محنة.

من قمرٍ بزغ من فلك المربَّع، لم يزد على العشر غير أربع.

لو نظرَ الوجهَ منه منهزِمٌ ... يتبعُه ألفُ فارسٍ وقفَا

شدَّ بند نطاقه، فحلَّ عزائم عشَّاقه.

يحسد القلب طرفه إذا لمحه بناظره، ويكاتم سرَّه حتى ليَصونه عن أن يمُرَّ بخاطره.

وإذا أهدى السلام لسليمه، ولَّى بلبِّه عن تسليمه.

فعندما لمحته، استلمحته.

وأنشدت:

ولم أنسَ لا أُنسِيتَ وقْفةَ حائرٍ ... نشدْتُ بها ما ضلَّ من شارِد الحبِّ

رميتُ بعيني رَميةً سمحتْ به ... فلم أثنِها إلا ومجروحُها قلبِي

سجيَّةُ خاطِر، في التعرُّض مخاطِر.

ولم أعرف له مكانا، ولا ظننتُ له إمكانا.

حتى لقيتُه عندك مائلا، ولبدر أُفقِك مماثلا.

فقلت ههنا تسكَب العبرات، وتُنال على ما يُرضي الربَّ المبرَّات.

ووعدتَ باجتماع ثانيا، ولم أعهدكَ في أمري وانِيا.

فقلت عسى يلاحظ سعد، فيستنجز وعد.

ويعدِل زمان، فيُؤخذ أمان.

وقد زادت العلَّة، ولم تنفع الغُلَّة.

فما بالك تمطِل مع الغنى، وتُحوِج طامع، ومرائي راءٍ، ومُستمَع سامِع.

أيحنُّ سيِّدي من فرطة لسان، ومذمَّة إنسان.

وهو المشهود بديانته، المحامي على عفَّته وصيانته.

وإن تورَّط متورِّط، ورمى بنفسه مفرِّط.

فيوشك أن ترميه جهنم بشرارها، وأن ترجمه الملائكة بأحجارها.

وأما أنا فلي معك حالٌ ما حال، وطُروق السُّلُوِّ إليه أمرٌ محال.

فأنا حافظ ولائك، الشاكر لآلائك.

فتجدني حيث تنجدني، وتعهدني على أبَرِّ ما تعتقدني.

ومن غزلياته التي جرَّدتها من شعره، قوله من قصيدة، أولها.

تذكَّر للأحباب رَبْعاً ومعهدَا ... أسيرُ غرامٍ قد أقام وأقعدَا

واطلق سُحْبَ الدمع من مُقلةٍ غدتْ ... قريحةَ جَفنٍ دمعُها تنضَّدَا

أيرجو حياةً بعد بُعدِ أحبَّةٍ ... وأنَّى بها والهجرُ أورده الرَّدَى

يهيم اشتياقاً للحبيب فلا يرى ... سوى من أطالَ اللَّومَ فيه وفنَّدَا

أما رحمةٌ للمستهامِ من الذي ... عَذابي بع عذبٌ وقتْلي تعمَّدَا

غزالٌ غزَا قلبي بنُبلِ لِحاظِه ... وأضرم أحشائي بهجرٍ توقَّدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>