نأى والأماني طامعاتٌ لقُربِه ... ولم ألقَ يوماً للأمانيِّ منْجِدَا
أطالَ سَقامِي بالفؤادِ صُدودُه ... ومقلتُه ترمي الجريح مدَى المَدَى
جميلُ المحيَّا يُخجِل البدرَ وجهُه ... وبالحسنِ ما بين الأنامِ تفرَّدَا
يُّحجِّب عني الطيفَ كيمَا يزورني ... وكيف يزور الطَّيفُ شخصاً مُسَهَّدَا
رعى اللهُ هاتيكَ اللطافةَ والبَهَا ... وحيَّى محيَّا جيشَ صبرِيَ شرَّدَا
رشاً صاد بالأصداغِ قلبَ متيَّمٍ ... وأورده بحرَ الهوان وأجْهَدَا
فمن مُسعِدي ممن هواه بمُهْجتي ... ألمَّ وأبْدَى الفتْكَ فيَّ إذ بدَا
بديعُ صفاتِ الحسنِ أحورُ طرفُه ... يُرينا إذا ما صال سيفاً مُهنَّدَا
بروحيَ أفدِي من أنا اليوم عبدُه ... وأنَّى لروحي أن تكون له الفِدَا
وقوله من أخرى، أولها:
أمِطِ اللِّثامَ عن الجبينِ المُزهرِ ... واسْفُرْ عن الوجهِ الأغرِّ المُقْمِرِ
وامْنحْ عيوني نظرةً أحيَى بها ... فلقد فقدتُ تجلُّدِي وتصبُّرِي
عجباً لقلبي كم يُقاسِي ذِلَّةً ... والذلُّ لَذَّ له بغير تضجُّرِ
وعلى مَ هذا الجسم يحمل للأذى ... وغدَا نحيلاً لا يُرى بالمنظرِ
حسُنتْ شمائلُك الجميلةُ كلُّها ... وبدا لعيني منك ما لم يُنْكَرِ
سرقتْ غصونُ البانِ منك تمايلاً ... فلذاكَ قد قُطِعتْ وحُقَّ لِمُفترِي
يا فائق الحورِ الحسان بوجهِه ... وجمالِ عُرَّتِه المَصونِ المُبهِرِ
قسماً بوجهك وهو شمسٌ أشرقتْ ... وبما بفيكَ من الرُّضابِ المُسكِرِ
لا حلْتُ عن مُرِّ الهوى ما دمتَ في ... قَيدِ الحياةِ ولو بُعثْتُ لمحْشرِ
وقوله من أخرى، مستهلها:
صاد قلبي بلحظهِ قمرُ ... في محيَّاه حارتِ الفكرُ
غصنُ بانٍ يزينه مَيسٌ ... ما لِذي الُّلبِّ عنه مصطبرُ
إن تثنَّى بلين قامته ... خِلْتَ منَّا القلوبَ تنفطرُ
ذو دلالٍ يُريك منطقه اللِّي ... نَ لكنَّ قلبه حجرُ
يتهادى بتيهِ مشيتهِ ... رافِلاً بالجمال يستترُ
بهجةٌ تُدهشُ المحبَّ عن التِّي ... هِ فيها ويحجبُ البصرُ
ظبْيُ إنسٍ لثغره أرجٌ ... طيِّبُ النَّشرِ عرفهُ عَطِرُ
فوَّق السهمَ من لواحظه ... لفؤادي فأمرهُ خطرُ
لا حياةٌ لعاشقيه ولا ... جبرُ قلبٍ لديه ينتظرُ
تنقضي مدَّةُ الحياةِ ولا ... لمحبِّيه ينقضي وطرُ
ملكٌ جائرٌ بدولته ... قد سطا من جفونه الحذرُ
سمهريُّ القوامِ ذو غَيَدٍ ... أدعجُ اللحظِ زانه الحوَرُ
فائقُ الحسنِ لا نظير له ... ورد خدَّيه باهرٌ نضرُ
ذو جمالٍ يجلُّ عن شَبَهٍ ... في معانيه يرتع النظرُ
كلُّ وقتٍ أذوب فيه جوًى ... آهِ ذاك القضاءُ والقدرُ
ليت شعري أراه يُنعشنِي ... بلقاهُ ويحسن السَّمرُ
وكتب إليَّ وأنا بالروم، في صدر رسالة قوله:
من لصبٍّ أودى به الإحتراقُ ... وبأحشائه أضرَّ الفِراقُ
جعلته يدُ الغرامِ أسيراً ... دمعُه من عيونه دفَّاقُ
يا لقومي قد صاد قلبي غزالٌ ... من بني التُّركِ بندُه خفَّاقُ
سمهريُّ القوامِ فاترُ لحظٍ ... أيُّ قلبٍ إليه ليس يساقُ
قام يسطو بمقلةٍ في البرايا ... والبرايا لحسنه عشَّاقُ
حبُّه حلَّ في الفؤاد كحبِّي ... لكريمٍ نواله دفَّاقُ
سيدٌ ساد بالكمال قديماً ... ليس تُحصى صفاته الأوراقُ
عالمٌ فاضلٌ إمامٌ همامٌ ... بحرُ علمٍ جادت له الأخلاقُ