للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف النَّجاةُ وسهمُ نا ... ظرِه بأحشائِي نَفودُهْ

يا فاتِكاً بعيونِهِ ... في مُهجتي وأنا شَهيدُهْ

رِفقاً بحالِ متيَّمٍ ... للنجمِ ناظرُه رَصودُهْ

واسْمح له في غَمْضةٍ ... فلعلَّ لو طيفٌ يُعودُهْ

ما ضرَّ لو ناديتَ مَن ... في الحبِّ لا تُنسى عهودُهْ

فاللومُ ليس منقِّصاً ... وجداً تحكَّم بل يَزيدُهْ

وله من أخرى، مستهلُّها:

فؤادٌ من الهِجران فيك مروَّعُ ... وقلبٌ من الأشواقِ والصدِّ موجَعُ

ومقلةُ عينٍ كُحِّلت بنجِيعِها ... وفاضت على الخدَّين منهن أدمُعُ

فمن لي بِكتمان المحبَّةَ بعدما ... أذاعتْ دموعي سرَّ ما كنتُ أُودِعُ

أبيتُ وفي قلبي من الشَّوقِ لاعِجٌ ... وأغْدو وقَدْحُ الشوقِ في الصدرِ يلمَعُ

فلا الوجدُ إن بانَ الأحبَّةُ مُقلِعٌ ... ولا الصبرُ إن دام التفرُّقُ ينفَعُ

ففتِّشْ خليلي عن فؤادِي أوَّلاً ... أهلْ فيه للوجدِ المبرِّحِ موضِعُ

لك اللهُ هل يُرْجَى شفائِي من الهوَى ... وهل بعد هذا للتواصُلِ مَطْمَعُ

ومن أخرى مستهلُّها:

يا أخا لبدرِ طلعةً وجبينَا ... ونظيرَ الغصون قدًّا ولِينَا

مَن لنَا أن تَمُنَّ بالوصلِ يا مَن ... قد جعلتَ الصدودَ في الحبِّ دِينَا

قد ضلَلْنا بليلِ فرعِك حتى ... ضاء صبحُ الجبين منه هُدِينَا

نحن من مؤمنيِك في الحبِّ صِرنَا ... فأغمِد السيفَ عن قتالِك فِينَا

ليس نخشَى حَدَّ الظُّبا من أُسودٍ ... بل ونخشَى من الظِّباء العيونَا

وكفانا يا مُنيَةَ القلبِ أنَّا ... من سَقامٍ ومن نحولٍ خَفِينَا

لو لقيتُ الحِمامَ ما كان يُدعَى ... بعظيمٍ ممَّا به قد لقِينَا

فالأمانَ الأمانَ من طولِ إعرا ... ضِك عمَّن في الحبِّ أمسَى رهينَا

والمحالُ المحالُ أنِّي أسْلو ... ك وأُذْني تُصغِي إلى العاذلينَا

كيف أسْلو والوجدُ عندي عظيمٌ ... والهوى في الضُّلوعِ أمسَى دَفِينَا

عبد الرحمن التاجي الخطيب البعلي أديبٌ سامي القدْر، متوقد كالقمر ليلة البدر.

حسن المحاضرة بالأشْيا، وارف الظِّلال والأفْيا.

يجري على طرف لسانه، ما ينطق الدهر باستحسانه.

وهو أخٌ لك فيه الغرض، جوهر أخلاقه لا يشوبه عرض.

وفيه لوْذَعِيّة تُحبِّبه، وبشاشة تزلِفه وتقرِّبه.

وبيني وبينه صحبة ألحمتْها الآداب وسدَّتها، ومودَّة ربطتْها موافقة القلبين وشدَّتها.

وهو اليوم طلق الشِّعر ثلاثا، ونقض غزله أنْكاثا.

وتخلَّص لعلمٍ ينفعه في الحال والمآل، ويجدِّد له في الله كلَّ آنٍ ما تعوَّده من أماني وآمال.

وقد أثبتُّ له من أوائل شعره كلَّ بديع الوصف، زارٍ على الجوهر في الشفافية والرَّصف. فمن ذلك قوله من قصيدة، مطلعها:

تذكَّرتُ أيام الصبابةِ والصِّبا ... وعيشاً مضَى ما كان أحْلَى وأطْيبَا

زماناً به كانت يدُ الدهرِ برهةً ... تُقمِّصني ثوبَ السعادةِ مُذْهَبَا

سقى الله ذاك الشَّعبَ غيثَ مَدامِعي ... إذا الغيثُ يوماً عن مَغانيه قطَّبَا

مغانٍ بها كان ائْتلافُ مسرَّتي ... وإقبالُ عيشي بالمسرةِ أخْصَبَا

منازلُ فيها للبدورِ مطالعٌ ... على أن فيها للسحائِبِ مَسْحَبَا

أقمتُ بها بين البشاشةِ والقِرَى ... وإن شئتَ قُل بين الأحبَّة والحِبَا

وكم سيق من نُعْمَى إليَّ ونعمةٍ ... وكم قيل لي أهلاً وسهلاً ومرحبَا

أبيتُ أجُرُّ الذيلَ تِيهاً ورفعةً ... ولا أرْتضي غير السِّماكيْن مضرِبَا

منها:

وليلةِ سعدٍ ما سعِدتُ بمثلها ... مدى الدهرِى في تلك المعاطرِ والرُّبَى

<<  <  ج: ص:  >  >>