أعانِقُ للآمالِ قدًّا مهفْهَفاً ... وألثِمُ ثغراً للأمانيِّ أشنَبَا
فذاك زمانٌ كلُّ عيشٍ به رِضًى ... وكلُّ نسيمٍ هبَّ من صَبْوتي صَبَا
وكنتُ أرى أن الزمانَ مُساعدي ... فشِمتُ به برقَ الأمانيِّ خُلَّبَا
فبَيْنا تراني باسمَ الثغرِ ضاحكا ... إذا بي أعَضُّ الرَّاحتين تلهُّبَا
وأنشدني لنفسه قوله من قصيدة، أولها:
بأبي أهيفٌ كظبيٍ غريرِ ... صال فينا بسيفِ لحظٍ شهيرِ
ألف الصَّدَّ والنِّفارَ ولالا ... ما عهدناه بالألوفِ النَّفورِ
أسرتني لحاظُه النُّجلُ عمداً ... يا لَثارَ المتيَّمِ المهجورِ
أي ذنبٍ جنيتُ في الحبِّ حتى ... صرتُ في العاشقين دون نصيرِ
عاذلي تركُك الملامةَ أحرى ... لو تحرَّيتَ كنت فيه عذيري
لو تراه وقد أدار عذاراً ... مثل وشيِ الطِّراز فوق الحريرِ
لعلمتَ الغرام إن كنت خِلْواً ... وعذرتَ العميد عُذرَ بصيرِ
أو رشفتَ الزُّلال من ريقِ فيهِ ... رُحتَ منه بسكرةِ المخمورِ
زار في غفلةِ الرَّقيب فأحيَى ... ميتَ هجرٍ بسعيه المشكورِ
أوضح الفرقَ واستكنَّ بفرعٍ ... فأرانا الصَّباح في الدَّيجورِ
بات سُكري منه بكأسِ حديثٍ ... طيبُ أنفاسه لها كالعبيرِ
ريقُه العذبُ لي مدامٌ ونقلي ... لثمُ خدٍّ بوجهه المستنيرِ
ثم وسَّدتُه اليمين وبتنا ... في نعيميْ مسرَّةٍ وحُبورِ
ليلةٌ بالعفاف سرَّ بها الده ... رُ فكانت كغرَّةٍ في الدُّهورِ
بدرُها رام أن ينِمَّ فأرجع ... ناه منَّا بنفثةِ المصدورِ
هذه نفثة مصدور، تصدَّت لتصدية مرايا البدور.
ونجومُ السماءِ منظومةُ السِّم ... طِ كنظم الجُمان فوق النحورِ
وسهيلٌ يلوح طوراً فطوراً ... يتحامى كخائفٍ مذعورِ
والثريَّا قد آذنت بانقضاءِ ال ... ليل تُومي لنا بكفِّ مشيرِ
شاهين بن فتح الله إنسان طرف الفضل ومقلة مآقيه، وفارع هضبة البيان وراقي مراقيه.
زرَّت على الفضل أطواقه، وما اهتاجت إلا للكمال أشواقه.
وهو من لطف الطبع أرقُّ من الصهباء في روق الصِّبا، ومن سلامة الناحية أطوع من قدود القُضب لراحة الصَّبا.
وإلى ما حواه من فكاهة يتسلى بها المهموم، ومحادثةٍ يجعلها النديم عوض المشروب والمشموم.
وشعرٍ كحلْي الخَود حواشيه تأتلف، ونثر كوَشيِ الروض رقومه تختلف.
ولما حللت القاهرة، أتحفتني الأيام بطلعته الزاهرة.
فنعتَني بِرَّه عفواً، وسقاني كأس وداده صفواً.
فقرَّت برؤيته عيناي، وأغناني بودِّه عن أهلي ومغناي.
فأنا وإياه بصدق العشرة نتَّسم، وبقدر الحب وحقِّ هواه نقتسم.
وقد أهدى إلي قصيدة أتحفني بها، وهي قوله:
خليليَّ ما أحلى الوصالَ بلا هجرِ ... وما منه أشهى للمحبين بالحصرِ
نعمتُ به دهراً برَيعان نشأتي ... وذلك من أحظى الحِبَى ليد الدهرِ
وبي أغيدٌ حلوُ الشمائلِ وجهُه ... يري البدرَ حسناً وهو في صورة البدرِ
أحاديثُه كالشُّهدِ تحلو فكاهةً ... إذا ما احتساها السمعُ أغنتْ عن الخمرِ
يُشعشِع فحواها ليَ الكأسُ لذَّةً ... بنكهةٍ أزكى ما يكون من العطرِ
كأن نسيمَ الروض بات يعلُّه ... فأهدى لنا من طيبِه طيِّبَ النشرِ
فكرِّر بذكر الكأسِ لي دَرّ دَرُّه ... تعلَّة قلبٍ من جوى الحب في جمرِ
وإن يحكِ ريحَ الحب لطفاً فعاطني ... وإن لم يسوِّغه الغناءُ على السكرِ
فيا بأبِي منه الدلالُ معشَّقاً ... ويا حسنَ ذاك المعطفِ اللَّيِّن الهصرِ