للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجْهدُ في رَفع مقامِي وفي ... نشرِ علومِي وهْو لا يعلمُ

ومثله لابن الوردي:

سبحانَ من سخَّر لي حاسِدِي ... يُحْدِث لي في غَيبتي ذِكرَا

لا أكرَه الغِيبةَ من حاسدٍ ... يُفيدني الشُّهرةَ والأجْرَا

ولأبي حيَّان:

عِداتي لهم فضلٌ عليَّ ومِنَّةٌ ... فلا أذْهَب الرحمن عنِّي الأعاديا

هم بحثُوا عنْ زَلَّتي فاجتنبْتُها ... وهم نافسُوني فاكْتسبْتُ المعالِيا

الشيخ أيُّوب الخَلوَتِي الوليُّ العارف، ذو المعارف والعوارف.

أحد الراسخين في العلم الإلهي، والكاشفين عن أسرار الحقائق كما هي.

حلَّ من جفن الشكر في سواده، وتبوأ من صدر الإحسان في فؤاده.

فمحامده تملأ المجامع والمسامع، ومناقبه تنير المطالع وتبعث المطامع.

وعلمه تُقبل أمواج البحر بين يديه، وحلمه يطيش شيخ الجبال أبو قبيس لديه.

إلى ما حوى من منظرٍ صبيح، يستنطق الأفواه بالتَّسبيح.

وسخاءٍ لو ركِّب في الطبائع لم يوجد شحيح في نوع الإنسان، وزهدٍ لو كان رقيةً للصبابة لم يبق جريحٌ من حدق الحسان.

وأما رقَّة طبعه فكلما ذكرت تنزَّهت في بحبوحة النعيم الخواطر، واشتقَّت من أنفاس الهجير بين الروض والنهر بمراوح النسيم العواطر.

مع تلطُّفٍ بلغ الغاية في الكمال، وسلامةٍ لم يبق معها فتنةٌ إلا فتنةٍ بجمال.

فهو بالهداية محلَّى، وقد رفع الله في العلياء محلا.

وله من الأخبار ما يُملي التَّواريخ المخلَّدة، ومن الأشعار ما يملأ الكتب المجلَّدة.

فمن شعره قوله من قصيدة، يذكر فيها ليلةً مضت في روض عنبري النَّفح، ويتشوق إليها تشوُّق الشريف لليلة السَّفح.

وليلتنَا على قاسون لمَّا ... خرجْنا من منازِلنا ذهابَا

وسِرنَا والغزالُ لنا دليلٌ ... ووجه غزالةِ الأفلاكِ غابَا

لقصرِ أبي البقَا شرف اعتلاءً ... وطابَ لنا منازِلُه رحابَا

حططْنا فيه أحمالاً ثقالاً ... عن الظهرِ الذي قد صارَ قابَا

ومن فضلِ المُدام لقد حظِينَا ... بشمَّاسٍ يُديرُ لنا الشَّرابَا

بمدرعَةٍ تخال سوادَ عينِي ... لِتمثالٍ لها حاكِي قُنابَا

وغنَّى والظَّلامُ لنا رضيعٌ ... وقمْتُ وكان رأسُ الليلِ شابَا

ونادَى بالأذانِ فقلتُ أهلاً ... بذاك وكنتُ أول من أجابَا

لأنَّ الصُبحَ أشهرَ سيف حربٍ ... وجُنح اللَّيل كان له قِرابَا

وله:

انْظُر إلى السِّحرِ يجري في لواحِظِه ... وانْظر إلى دعَجٍ في طرفِه السَّاجِي

وانْظر إلى شعراتٍ فوق وجنتِهِ ... كأنَّما هنَّ نملٌ دبَّ في عاجِ

أحسن منه قول بعضهم:

كأن عارِضه والشَّعر عارَضَه ... آثارُ نملٍ بدتْ في صفحة العاجِ

توحَّلتْ في لطيمِ المِسكِ أرجُلُها ... فعدْنا راجِعةً من غير مِنهاجِ

وله:

الهجوُ أقبح ما يكون إذا بدَى ... وإذا اسْتجنَّ ففي الفؤادِ قبيحُ

فلِذاك لا يرضاه إلا جاهِلٌ ... إنَّ الجهول بما يقول جَريحُ

وله:

وليلةٍ بِتُّ فيها لا أرَى غِيَراً ... مع شادِنٍ وجهه قد أخجلَ القمرَا

نادمْتُه قال هاتِ الكأسَ قلتُ له ... جلَّ الذي لافتِضاحِي فيك قد سترَا

وقمتُ أرشفُ من ريقِ المُدامِ ومن ... مُدامِ ريقٍ وأقْضِي في الهوَى وطَرَا

ولفَّنا الشوقُ في ثوبيْ تُقًى وهوًى ... وطال بالوصلِ لي والليلُ قد قصُرَا

وله:

وليلتنَا بالأمسِ كانتْ عجيبةً ... وفينَا غزالٌ أدْعَجُ الطَّرفِ أحوَرُ

سألتُ إلهي أن نعود لمِثلِها ... بعَوْد التَّجلِّي قيل لا يتكرَّرُ

وقوله:

وقد لامنِي عاذِلي في الحُبِّ قلت له ... حُبِّي شِفائِي كما أنَّ السِّوى مرضِي

قد قال قبليَ شخصٌ لست أعرِفهُ ... لكنه قد قضى من شعرِهِ غرضِي

لكلِّ شيءٍ إذا فارقْتهُ عِوَضٌ ... وليس لله إن فارقتَ من عِوَضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>