للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أحسن قول ابن نباتة: جاء النذير العُريان وهو الشَّيب، وابيضَّ بردُه فظهر فيه دنس العيب.

وآذن صبحته بالتَّفريق، ونُشرت بين السَّواد صفحته فعلم أنها ورقة طريق.

والنَّذير العريان: زُنير، بالنون، بن عمرو الخثعمي.

كان ناكحاً لامرأة من بني زُبيد العريان، فأرادت زبيد أن تغزو خثعم، فحرسه أربعة نفر منهم، وطرحوا عليه ثوباً، فصادف غِرَّةً فحاضرهم بعد أن رمى ثيابه، وكان من أجود الناس شدًّا.

وقال في ذلك:

أنا المنذرُ العُريانُ ينبذُ ثوبَه ... لك الصدقُ لم ينبذ لك الثوبَ كاذبُ

ندَّعي الحبَّ فِرْيةً إنما ال ... حبُّ حريٌّ بأن يطاعَ الحبيبُ

ليس هذا دأبُ المحبِّين لكن ... قد نحاه مشتَّتٌ محجوبُ

إن أعداءَنا توالتْ علينا ... نفسُنا والهوى وعقلٌ مريبُ

كيف يرجو الخلاصَ منهم مُعنًّى ... في عَماه مكبَّلٌ مجبوبُ

من نرجِّي لدفعِ داءٍ عضالٍ ... غيرَ خيرِ الورى وذاك الطبيبُ

سيِّدُ المرسلين خيرُ نبيٍّ ... شافعُ الخلقِ يوم تُتلى العيوبُ

مبدأُ الكونِ ختمُ كلِّ نبيٍّ ... قد حباه الحِبا قريبٌ مجيبُ

علَّه أن يقول في الحشرِ عنِّي ... إنَّ هذا لجاهِنا منسوبُ

وله عندنا ودادٌ قديمٌ ... وعلينا يومَ النِّدا محسوبُ

من لهذا الحقيرِ غيرَ نصيرٍ ... أو شفيعٍ دعاؤُه يستجيبُ

أنا عونٌ له ويكفيه عوناً ... من سواي ولي فِناءٌ رحيبُ

يا نبيَّ الهدى وغوثَ البرايا ... ووحيداً وليس في ذا عجيبُ

خصَّك الله بالمراحمِ جمعاً ... من يعي ذاك عاقلٌ ولبيبُ

كلُّ فضلٍ مِصباحه أنت حقًّا ... إنَّ هذا في المكرمات غريبُ

كلُّ من لم يرَ افتراضَ هواكم ... فهو في النارِ حقُّه التَّعذيبُ

وأنشدني من لفظه لنفسه:

ما نلتُ شيئاً إذا كنتُ المُقصِّر في ... تحصيلِ أسبابِ توفيقي وإسعادي

إلا ضَياعَ نجاتي وهي نافعتي ... يا ربِّ هبْ ليَ يوم الحشرِ إنجادي

وله:

إن كان ذنبي في الشدائدِ مُوقِعي ... وبه لقد لاقيتُ ما أنا فيهِ

فالعفوُ منك يزيلُ ذاكَ تكرُّماً ... كالشمسِ إن أتتِ الدُّجى تجليهِ

ولما دُفِن في تربته أنشدتُ:

يا تربةً قد غاضَ بحرُ النَّدى ... فيها وبدرُ التِّمِّ عند التَّمامْ

ما هيَ إلا حُقَّةٌ أُودِعتْ ... من طيِّبِ العنصرِ مسكَ الختامْ

رمضان بن موسى العُطيفي فاضلٌ حظُّه من المعرفة وافر، ووجه أمانيه طلقٌ سافر.

ما زال من الحال في أعذبها شرعة، ومن الحظوة في أسوغها جرعة.

وكان مرفوع الحجاب، منزوع رداء الإعجاب.

وله في الخُلق والخَلق من الرِّضوان رضوان، وفي النَّثر والنظم من المرجان مرجان.

وأما عهده فهو بالصِّدق محلَّى، وودُّه يبلي الجديدان ولا يبلى.

لا أقول إنه أصفى من الماء فقد يشرق به الإنسان، ولا أضوأ من قمر السماء فقد يدركه النُّقصان.

وكنت وصبائي عاطر النَّفحة، لدنُ الغصن ناضر الصَّفحة.

حضرت دروسه في العربيَّة، وأخذت عنه أشياء من الفنون الأدبيَّة.

ثم وقفت له على بدائع من آثاره بهيَّة الإلماع، فأثبتُّ منها ما هو عبق الأفواه وحَلْيُ الأسماع.

فمن ذلك قوله من قطعة، كتب بها لبعض الأدباء، جواباً عن لغز، كتبه إليه في قرنفل: يا من زيَّن سماء الدُّنيا بزهر النُّجوم، وزيَّن الأرض بزهرها المنثور والمنظوم.

نحمدُك على ما أبدعت حكمتك في هذه الأعصار، من زاهي الأزهار.

ونصلِّي ونسلِّم على نبيِّك المختار، وآله الأخيار، ما اختلف الليل والنهار، عدد تنوُّع البهار.

أما بعد: فإن رقيق الكلام، ورشيق النِّظام.

مما يسحر الألباب، وينسج ما بين الأحباب.

ولا بدع فقد قال سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام:

<<  <  ج: ص:  >  >>