وقُرطُه خافقٌ كالقلبِ من قلقٍ ... مقبِّلاً جِيدَه في زيِّ مُشتغلِ
يفترُّ عن لُؤلُؤٍ في الثغرِ مُنتظمٍ ... نَظْمَ الدَّراري بأجيادِ الدُّمى العُطلُ
وريقُه الخمرُ عندي قد أبان به ... نصًّا فحلَّ مُدامُ الثغرِ كالعسلِ
نصُّ كلِّ شيءٍ مُنتهاه، فنصُّ الرِّيق: منتهاه في اللَّطف. وبذلك تتم التَّورية في النَّص.
وكاسُنا الثغرُ قد راق المدامُ به ... وعلَّه مَنهلاً منه على عَللِ
نجني الحبابَ فلا ندري الجنَى أبدا ... بغير رشفِ رُضابِ الثغرِ والقُبلِ
في كلِّ حينٍ أُلاقي من مَضاربه ... سيفاً من اللَّحظِ أو طعناً من الأسلِ
ولي بعوثُ هوًى ما زلتُ أُرسلُها ... منِّي إليه ولم تظفرْ على أملِ
ولم تنلْ رُسلي إلا مُباعدةً ... من المزارِ وإلا لسعةَ العذلِ
يا عمرَك الله لا تسألْ وكُن فطناً ... وعن مصارعِ أربابِ الهوى فَسلِ
ابن عمِّه عبد الجليل بن محمد هو كابن عمِّه، مختصٌّ من المدح بأعمِّه.
اشتهر من صغره نبلُه، وأصاب الغرض مذ فوَّق نبله.
ففيه ما شئت من فضلٍ شروق، وأدبٍ يصفِّق عارضه ويروق.
ونفسٍ كريمة الشَّمائل، وفكرةٍ توشَّى بحبرها الخمائل.
وله شعر إذا استجليته استحليته، وإذا لمحته استملحته.
يفيض فيه فيضاً، وأراه يحسن النثر أيضاً.
إلا أنه لم يمهله الدهرُ حتى يبلغ المدى، فاعتُبط وشبابه يانعٌ بسقيط النَّدى.
ولم يبلغني من آثاره إلا قدرٌ قليل، والقليل منه على الكثير دليل.
فمن ذلك قوله في الخال:
خالُ الحبيب بدَا في الخَدِّ مبْتهِجاً ... والقلب من شغفٍ للخالِ قد جنحَا
قد عمَّه الحُسن يا من خالهُ حسنٌ ... والعمُّ في خدمةٍ للخالِ ما برِحَا
وقوله في العِذار:
نسجَ الفضلُ عليه ... حلَّةً تنمو وَقارَا
في المحَيَّا حين حلَّتْ ... رقم الحسنُ عِذارَا
وقوله، وفيه اقتباس، وتورية، واكتفاء:
يا لقومِي من غزالٍ ... خَنِثِ الأعطافِ ألمَى
إذ تلى سورةَ حسنٍ ... وجهُه والحسنُ عَمَّا
سألُوا عن مُحكَمِ الأو ... صافِ فيه قال عَمَّا
وقوله:
يا خالِّه لمَّا بدا ... في عرشِ خدٍّ واسْتوَى
أوْحَى لصُدْغٍ أيةً ... تدعُو كراماً للهوَى
أصله للحاجِرِي:
لك خالٌ فوقَ عرْ ... شِ عقيقٍ قد اسْتوَى
بَعث الصُّدغَ مُرْسَلاً ... يأمرُ الناسَ بالهوَى
ولبعضهم:
غدا خالُه ربَّ الجمالِ لأنه ... على عرشِ خدٍّ فوق كُرسيِّه اسْتوَى
وأرسل بالألحاظِ رُسْلاً أعِزَّةٍ ... على فترةٍ يدعو الأنامَ إلى الهوَى
وله كلمات من فصول، قال فيها: لا تزالُ في رِبقةِ الأماني، مادمت في ساحةِ المباني.
البقاءُ مرآةُ التَّجلِّي، والفناءُ منهل التَّخلِّي، والجمعُ منصَّة التَّحلِّي.
والرُّكون للغير، قطيعةٌ في السَّير.
الزهدُ في الظَّاهر، رغبةٌ في المظاهر.
إتقانُ الحواسّ، وظيفة الإفلاس.
ورُؤيةُ الإيناس، مَظِنَّةُ الوسواس.
وحركة الشوق، عصا السَّوق.
وأبوه في الزهد قُدوة، عروةُ متمسِّك منه بعروة.
وقد شملني دعاه وهو للقبضة مناهِز، وما بين دُعائه وحظيرةِ القُدس حاجِز.
وقد مُلِئتْ صحيفة حسناته، واسْتراح صاحبُ شِماله من كتابه سيِّآتِه.
وأسلافهم ما زالوا حِلًى في جِيد الزمن العاطل، إلى أن ينتهوا إلى جدِّهم الفاروق بين الحقِّ والباطل.
رضي الله عنه وعن بقيَّة الأصحاب، وأعمل محبَّته ومحبَّتهم في قلوبنا على الاستصحاب.
عثمان بن محمود، المعروف بالقطَّان فتى الفضل وكهله، وشيخه الذي يقال فيه هذا أهله.
أطلع الله في جبينه غُرَّ السنا، فثنى إليه من البصائر أعنَّة الثنَا.
مأمون المغيب والمحضر، ميمون النَّقيبة والمنظر.
فهو كالشمس في حالتيها يبدو نورها، فينفع ظهورها.
وتحتجب أرجاؤها، فيتوقع ارتجاؤها.