ما ترى ناصِعَ القَرَنْفُل وافَى ... بتَحايَا الشَّميمِ بين الزُّهورِ
قُضُبٌ من زَبَرْجَدٍ حاملاتٌ ... قِطعاً فُكِّكتْ من الكافورِ
هذا ما وجدته منقولاً عنه.
ورأيت في أشعار بعض المتأخرين ممن تقدم تشبيه هذا الزهر.
فممن استعمله ممن أدركته أبو مفلح البيلوني الحلبي، في مقصورة له، حيث قال:
قَرَنْفُل الرَّوضِ شِفاهٌ ضمَّها ... لُعْساً لكي يلثَم ناشقاً دنَا
واستعمله قبله الكمال محمد بن أبي اللطف المقدسي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وألف في قوله:
حكى القَرَنْفُل مُحْمَرّاً على قُضُبٍ ... خُضْرٍ لها صار بالتَّفْضِيل منْعوتَا
كفّاً على مِعْصَمٍ نَقْشٌ به خَضْرٌ ... غَدا له كافر العُذَّال مَبْهوتَا
أبْدَتْه خَوْدٌ وقد ضَمَّت أنامِلَها ... كأساً تُشعّر لُطْفاً صِيغَ ياقوتَا
والذي حاز في تشبيهه قصب السبق، فيما أعلم، الشهاب بن خلوف الأندلسي، أحد المشاهير المجيدين، حيث قال، من قصيدة:
وللْقرَنْفُل راحاتٌ مُخضَّبةٌ ... على مَعاصِرَ خُضْرٍ فتْنِة الرَّائي
كأنْجُمٍ من عقيقٍ في ذُرَا فلكٍ ... من الزُّجاج أرَتْ أشْطان لَأْلَاءِ
وكان السيد المترجم ما أنشأ هذه المقاطيع التي تقدمت اشتهر أمرها، فحذا حذوه في بابها جماعةٌ، من أدباء الشام، ونظموا فيه تشابيه متنوعة.
فمنهم الأمير منجك، حيث قال:
قَرْنْفُلُنا العطريُّ لوناً كأنه ... رُءُوسُ العذارَى ضُمِّختْ بعبيرِ
مداهنُ ياقوت بأعلى زَبَرْجَدٍ ... لقد أُحكمتْ صُنْعاً بأمْرِ قديرِ
ومنهم شيخنا المهمنداري المفتى، حيث قال:
قَرَنْفُلٌ في الرياضِ هيْئتُه ... تَحْكي وقد مَدَّ للسحابِ يَدَا
فَوَّارة من زبَرْجَدٍ فتَقتْ ... ففار منها العقيقُ وانْجَمدَا
وقال أيضاً:
هذا الْقَرَنْفُل قد بدَا ... في لونِه الْقانِي تَجَمَّدْ
فكأن مَرْآهُ الأنِي ... قَ لدَى الرياضِ إذا تَنَهَّدْ
قِطَعُ العقيقِ تناثرتْ ... فتخطَّفتْه يدُ الزَّبَرْجَدْ
ومنهم شيخنا عبد الغني النابلسي، في قوله:
كأن قَرْنْفُلاً في الروضِ يَسْبى ... شذَا رَيَّاه مُنتشِقَ الأنُوفِ
سواعِدُ من زَبَرْجَدَ قائماتٌ ... بلا بدَنٍ مُخضَّبُة الكفوفِ
وقوله:
قم ياندِيمي لداعِي الَّلهْوِ مْنشرِحاً ... فقد ترنَّمتِ الورْقاءُ في الورقِ
وانظُرْ إلى حسنِ باقاتِ القَرَنْفُل ما ... بْين الرُّبَى نفَحتْ كالمَنْدَلِ العَبِقِ
أطْفَى النسيمُ لهِيباً من مشاعِلها ... في ظُلَّةِ الروضِ حتى جمرُهنَّ بَقِى
وقوله:
بين الحدائقِ أعْطافُ القَرَنفْلُ في ... زهْرٍ بريحِ الصَّبا الزَّاكِي وتمْثيلِ
مثلُ العرائسِ في خُضْرِ الملابسِ قد ... لاثَتْ على وجْهِها حُمْرَ المناديلِ
وقوله في الأبيض منه:
هيَّا بنا فالطيرُ صاحَ مُغرِّداً ... ما إن يُقاس لدى الورَى بمُغَرِّدِ
والروضُ مَدَّ من القَرَنْفُل للنَّدَى ... كاساتِ دُرٍّ في زُنوِدِ زَبَرْجَدِ
وقوله في الأبيض المشرب بحمرة:
وزهرِ قَرَنْفَلٍ في الروض يحْكي ... قصورَ دمٍ على صفحات ماءِ
رأى وجَناتِ من أهْوَى فأغْضَى ... فبان بوجْهِه أثَرُ الحياءِ
وقد تطفلت أنا على عادتي، فقلت:
وافى القَرَنْفُلُ مُعجباً ... فينا بمنْظرِه الأنِيقْ
يُبْدِي زُنُودَ زَبَرْجَدٍ ... حملَت تُروساً من عَقِيقْ
هذا ما وصلني من التشبيهات التي نظمت فيه، وإن ظفرت بشيء ألحقته.
عوداً على بدء.
ومن روضياته قوله:
قادني للرُّبَى مَرُوح العِنانِ ... نَفْحُ رَوْحِ النسيمِ في الرَّيْحانِ
واهْتزازُ الأوْراقِ في القُضُبِ الهِي ... يفِ أرتنْي في ساحةِ البستانِ