طُرَرَ الغِيدِ قد رقصْنَ بها عنْ ... د اجْتلاء الطّلا على العِيدانِ
وقوله:
كأنما شجَرات الدَّوْحِ في خُلَعٍ ... تنْدَى فيبلغ أقْصَى الحسن مَبْلُغها
أرْواح دُرٍّ تبِيتُ المُزْن في بشرٍ ... من الزُّمُرُّد بالأنْواءِ تُفْرِغُها
ماجَتْ بمُدْرَجة الأنفْاس واطَّرَدتْ ... كأنما حولهَا أيدٍ تُدَغْدِغهَا
وقوله:
والنهر يصْدَا بهاتيك الظِّلال كما ... يصْدَامن الغِمْدِ حدٌ الصارمِ الذَّكَرِ
والزهرُ يفْرِش في شطَّيه ما رقمَتْ ... فيها السحائبُ من رَيطٍ ومن حِبَرِ
رَبِيعةُ الوَشْىِ لا ينْفكُّ زِبْرِجُها ... يجْلو لنا من حُلاها أحْسنَ الصُّورِ
الزبرج بالكسر: الزينة من وشى أو جوهر، أو نحو ذلك.
ويقال: الزبرج: الذهب، والزبرج: السحاب الرقيق فيه حمرة.
وله:
بادِرْ بعيْشك فالنعيمُ مُخَيِّمٌ ... ومُلاءةُ البستانِ في تفْويفِ
والطيرُ مْغتِردٌ عليه يشُوقُه ... جِيدٌ بأعْناق الغصون الهِيفِ
تُصْغى له أُذْنُ الطَّروبِ فيْنثنى ... والشوقُ مِلْءُ فؤادِيَ المْشغوفِ
وله:
ومجلسٍ حفَّتِ الغصونُ بنا ... فيه ووجهُ الرياضِ مُبْتهِجُ
كأن أوراقَها يرِفُّ بها ... فوق النَّدامَى نسيُمها الأرِجُ
خُضْرٌ من الأُرْزِ لا تزال بها ... مناكبُ الرَّاقصات تَخْتلِجُ
وله في روض ألقت الأشجار ظلالها عليه، فالشمس من فروجها عيونٌ ناظرةٌ إليه:
وبطنٍ من الوادي حَلَلْنا مَسِيلَهُ ... خلالَ غصونٍ عاكفاتٍ على الشَّرْبِ
تُنَقِّط منه الشمسُ في مِسْكَة الثَّرى ... مَدَبَّ عِذارِ الظلِّ في وَجْنةِ التُّرْبِ
بخيِلانِ كافورِ الشُّعاع كأنما ... أبتْ غير جلْدِ النَّمر يُفرَش بالسُّحْبِ
رأيت بخطه عقيب هذا: قلت: وما كنت أحسبني زوحمت في هذا المعنى، ولا سبقت لهذا المغنى، حتى وقع إلى حال مطالعتي لتتمة اليتيمة من قول السيد أبي البركات العلوى، في الأشجار والقمر، ما صورته:
ألا صرِّفْ لنا خمراً ... فنفسُ الصَّبِّ مَدْهوشَهْ
على أدْواحِ رَيْحانٍ ... بماءِ الطَّلِّ مَرْشوشَهْ
كأن الأرضَ من حُسْنٍ ... بجِلْدِ النمرِ مفْروشَهْ
فعجبت من مواردتي إياه في اشتراك الخواطر، مع اقتران المناسبة بين الشمس المنيرة والقمر الزاهر.
ثم وقع إلىّ ومن أناشيد صاحب الذخيرة للتهامى أيضاً ماصورته في تشبيه الثريا:
وللثُّريا ركُودٌ فوق أرْحُلِنا ... كأنها قطعةٌ من فَرْوة النمرِ
قلت: وقد نزع في هذا المعنى البديع قول عبد المحسن الصورى، من أناشيد الثعالبي، وهو:
فاسْقنِيها مَلْأى فقد فضح الَّلْي ... لَ هلالٌ كأنه فِتْر زَنْدِ
والثُّرَيَّا خَفَّاقةٌ بجناحِ الْ ... غَرْبِ تهْوى كأنها رأسُ فَهْدِ
وتشبيه وقوع الشعاع قد أكثر فيه الشعراء القول.
فمنه قول المعوج الشاعر:
كأن شعاعَ الشَّمْسِ في كُلِّ غُدْوة ... على ورَقِ الأشجار أوَّل طالعِ
دَنانيرُ في كَفّ الأشَلِّ يضمُّها ... لقبْضٍ تهَوَّتْ في فُروجِ الأصابعِ
وهو مأخوذ من قول المتنبي:
وألْقَى الشرقُ منها في ثِيابِي ... دنانير تفِرُّ من البَنانِ
وأخذه القاضي الفاضل، فقال:
والشمسُ من بين الأرائِك قد حكتْ ... سيفاً صَقِيلاً في يَدٍ رَعْشاءِ
وللنامي:
سماء غصونٍ تحجُب الشمسَ أن تُرَى ... على الأرضِ إلَّا مثلَ نَثْرِ الدراهمِ
ومما يضاهي هذا قول الصلاح الصفدي في القمر:
كأنما الأغْصانُ في دَوحِها ... يلُوح لي منها سنا البدرِ
تِرْسٌ من التِّبْرِ غدا لامعاً ... يقِيسُه أسْوَدُ بالشِّبْرِ
وقوله:
وكأنَّما الأغصانُ يثْنِيها الصَّبا ... والبدرُ في خَلَلٍ يلُوح ويُحْجَبُ