للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى من أشرقت شموس فضائله فأزاحت من الجهل ظلم الغياهب، وأنارت بدور فواضله فأخجلت نيَّرات الكواكب.

واستولى على مدائن الفضل وحصونه، فظفر من ذخائره وكنوزه بمصونه ومخزونه.

بوسيلة إرسال تسليمات يحيى ذكرها ميِّت النفوس، وتتزيَّن بتسطيرها متلحِّظات الطروس.

ومن بدائعه قوله:

ألا هل يُرى من عِلَّة الصدَّ نافعُ ... سوى الوصلِ أو من غُلَّة الوجد ناقعُ

وهل بعد شَتِّ الشَّمْل للجمعِ أوْبةٌ ... فتجمعنا من بعدُ تلك المجامعُ

سقى الله أياماً مضتْ في غضونها ... هصَرْنا غصونا ما أقَّلْته يانعُ

ولي طمعٌ في القربِ واللهُ قادرٌ ... وماذا عسى تُدْنِى البعيدَ المطامعُ

وفي كل حينٍ شارقُ الجَدِّ هابطٌ ... وغاربُ سوءِ الحظِّ في الناس طالعُ

ولي من أذَى من أرْتجيِه عظائمٌ ... مدَى الدهر عمَّا أصْطفيه قواطعُ

مضى العمرُ لا الدنيا حَظِيتُ بخْيرها ... ولا أنا عمَّا يُسخِط اللهَ راجعُ

وللهِ لا للناسِ شكْوايَ كلُّها ... من الدهرِ والأمرِ الذي هو واقعُ

تولَّى خِصام الحسنِ قَهْراً بنفسِه ... فليس له منه حُماةٌ تُدافعُ

ولا سِيَّما مَن ظَنَّه عن تخُّيلٍ ... نجيِباً فبالبْلوى إليه يُسارعُ

فغايةُ مَن يرجوه أوْحَد دهرِه ... به ترْكُهُ في حالِه وهو تابعُ

إذا كان ريحُ المسكِ يُنكَر ضائعاً ... بأرضٍ فذاك المسكُ لا شك ضائعُ

وقد يُترك المجروحَ في ترْكِ شَمِّهِ ... ففي البْين داءٌ ذلك الداءُ مانعُ

وللهِ صَبٌّ في الزمانِ تقدَّمتْ ... مَقالُته في مثل ما أنا والعٌ

ألا فاخْشَ ما يُرجَى وجَدُّك هابِطٌ ... ولا تخْشَ ما يُخشَى وجدُّك رافعُ

فلا نافعٌ إلَّا مع النَّحْسِ ضائرٌ ... ولا ضائرٌ إلَّا مع السعدِ نافعُ

وقوله:

يا من يُحاول ما أمَّلتَ بالحِيَلِ ... دَعْ ما تخالُ فهذا أولُ الخَلَلِ

واركبْ متُون خيولِ السَّبْقِ واسْرِ بها ... في جُنح ليلِ الهدى من غيرِ ما كسَلِ

وجانبِ الجِانبَ الأدْنَى فما ظفِرْت ... بالقُرب منه ذوو الآمالِ بالأمَلِ

واقطعْ رَجاك من الدنيا فما صدَقتْ ... في وعدِها أحداً من سالفِ الأزَلِ

وصِل حِبالَك بالحبلِ المَتين فما ... يُعِطى ويمنعُ إلا علَّةُ العِلَلِ

واسُلكْ سبيلَ رِضاهُ غيرَ مُتَّئدٍ ... فإنه لْلبرايا أوضحُ السُّبُلِ

وازْدَدْ على الهجر حُبّاً لا تَمَلّ فما ... في مِلَّةِ الحب آذى من أذَى المَلَلِ

وقوله على طريقة المهيار:

يميناً بهم صادقا لن يمينَا ... لقد خلَّفونا وساروا يمينَا

مقيماً على عْهدهم لا أحولُ ... ولو أنهم أصبحوا ظاعِنينَا

مَشُوقا إلى سْمعِ أوصافهمْ ... فأوصافُهم تُطرب السامعينَا

عيونٌ تفِيض لتَذْكارهم ... فتحْكِى إذا ما ذكرت العيونَا

وقلبي يحِنُّ لأخبارهمْ ... فتْلَقى له حين يُتْلَى حنِينَا

وعيشِىَ من بعدِهم لا يطيبُ ... على أيِّ حالٍ عسى أن يكونَا

ونَوْحِي ولو عِشْتُ ما عاش نُوحٌ ... يزيد على جملِة النَّائحيِنَا

وأعظمُ من بُعْدِهم حسرةً ... شَماتةُ من أصبحوا شامتيناَ

وقوله:

عزيزٌ علينا أن تهُون نفوسُنا ... لذلك بالصبرِ الجميل أهَنّاهَا

وكنَّا نرى أنْ لو أتانا مُفاجِياً ... مُعَزٍّ لها فيها بذلك هنَّاهَا

لنَرْعى نفوساً من نفوسٍ زكيَّةٍ ... بأرْواحنا لو تُفْتدَى لفديْناهَا

وقوله:

لي نفسٌ أشكو إلى الله منها ... هي أصلٌ لكلِّ ما أنا فيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>