للطيرِ جَرْسٌ في مَعالِمها ... فكأنما بحُلوقها جَرسُ
والوُرْقُ تخطُب في منابرِها ... فوق الغصونِ كأنها حُبُسُ
فارْشِفْ حصَاه فإنه شَنَبٌ ... والْثَمِ ثَراه فإنه لَعَسُ
كم ليلةٍ قضَّيْتها خُلَساً ... خوفَ العواذِل والهوى خُلَسُ
قصُرت عن الشكوى غَياهِبُها ... فكأنَّها من قَصْرها نَفَسُ
بْتنا وشَمْلُ الليل مجتمِعٌ ... ويدُ النوَى في شمْلنا تَطِسُ
في فتيةٍ رقَّت شمائُلهم ... فكأنها في أُفْقه شَمْسُ
بِيضُ الوجوه وجوهُهم سُرُجٌ ... تحت الدجى ومُدامُهم قَبَسُ
مالوا إلى الَّلذات من أَمَمٍ ... حتى إذا ضحك الطِّلَا عَبَسُوا
والبدرُ يرْفُل في غلائلِه ... بين النجوم وللدُّجَى عُرسُ
والماء بين مُصفِّقٍ طرباً ... فيه وآخر مُنْتَشٍ بَجْسُ
حتى إذا نطقتْ مَزاهِرُنا ... خرَس العذولُ وما به خَرَسُ
غاب الرَّقيبُ ونام حاسدُنا ... فوشَى علينا الطِّيبُ والنَّفَسُ
وقوله:
ما في التَّصابِي على مَن شاب من باَسِ ... أما ترى جَلْوَة الصَّهْباءِ في الكاسِ
الناسُ بالناِس والدنيا بأجمعِها ... في دَرَّةٍ تْعطف الساقِي على الحاسِي
يئسْتُ واليأسُ إحْدى الراحتيْن وكم ... جَلَوْتُ منِّى صدَى الأطماع بالْياِس
منها:
في كل غانيةٍ من أخْتِها بَدَلٌ ... إن لم تكن بنْتَ رأسٍ فابنه الراسِ
أودعتُ عقلي إلى الساقيِ فَبدَّدَه ... في كَسْر جَفْنَيْهِ أو في مَيْلِة الكاِس
لا أوْحَش اللهُ من غضبانَ أوْحشَني ... ما كان أبْطاهُ عن بِرِّي وإيناسِي
سلمتُ يوم النوى منه وأسلمني ... إلى عدُوَّيْن نَمَّامٍ ووَسْواِس
ذكَّرْتُه وهْولاَهٍ في محاسنِه ... عهودَ لا ذاكرٍ عهدي ولا ناسِ
ودَدْتُ أن بعتُه روحي بلا ثمنٍ ... لو كنت أضربُ أخماساً لأسْداسِ
يا وَيْح من أنتِ يالَمْياء بُغْيتُه ... ما كان أغْناه، عن فكرٍ ووَسْواسِ
قامتْ تغنِّى بشعرٍ وهْي حاليةٌ ... به ألا حبَّذا المكسُوُّ والكاسِي
تقول والسُّكرُ يطْويها وينشرُها ... أيُّ الشَّرابْين أحْلَى في فم الكاسِ
يا حبَّذا أنت يالَمْياءُ من سكنٍ ... وحبَّذا ساكنُ البَطْحاء من ناسِ
ما إن ذكرتُك إلا زاد بي طَرَبِي ... وطاب ريحُ الصَّبا من طِيب أنْفاسِي
ولا ذكرتُ الصَّبا إلا وذكَّرنِي ... لَيالياً أرْضعتْني دَرَّةَ الكاسِ
وجيرةً لعبتْ أيدي الزمانِ بهم ... أنكرتُ من بعدهم نفِسي وجُلاَّسِي
أيامَ أخْتالُ في ثَوْبَيْ بُلَهْنيةٍ ... ومَيْعةٍ من شبابٍ ناعمٍ عاسِ
عارٍ من العار حالٍ بالصِّبا كاِس ... كأنني والصِّبا في بُرْد أخماسِ
أنضيْتُ فيه مَطايا الجهل والباسِ ... عريتُ منه وما عَرَّيْتُ أفراسي
في صِبْيَةٍ كنجومٍ الليلِ أكياسِ ... كان أيامَهم أيامُ أعْراسِ
أسمُو إليهم سمُوَّ النومِ للرَّاسِ ... أدُبُّ فيهم دبيبَ السكرِ في الحاسِي
باتوا بمَيْثاءَ صَرْعَى لاحَراك بهم ... وإنما صرعتهم صَدمةُ الكاسِ
يا عاذلي أنت أوْلَى بي فخُذ ييدي ... فأنت أوقْعتني فيهم على راسِي
ويا حمامَ الِّلوَى هلا بكيْتَ معِي ... على زمانٍ تقضَّى أو على ناسِ
وقوله:
يا نسيمَ الصَّبا ويا عذْبَ الرَّي ... حانِ هُبِّي على وانتفضِي
خبِّرينِي عن الِّلوَى خَبراً ... إنَّ ذكرَ الرياضَ من غَرضِي
لأُقَصِّى من اللوى وَطَراً ... ليس يدري الوُشاة كيف قُضِى