ولاطفْتُه حتى استملتُ فؤادَهُ ... فيالك سَعْداً بعضُه لِينُ جَلْمَدِ
وبِتُّ كأن الدهرَ ألْقى زِمامَه ... إليَّ وصافاني فأحْرزْتُ مَقْصِدِي
وحَكَّمني مِن جِيده وهْو عاطِلٌ ... فحَلاَّه دَمعي بالجُمان المُنضَّدِ
إلى أن نعَى بالبَيْن صُبْحٌ كأنه ... غرابُ النوى لكنه غيرُ أسوِد
من مديحها:
به دَرَّ ضَرْعُ المَكرُماتِ وثُقِّفتْ ... قَنا الفضلِ وانْهلَّتْ غوارِبُ للصَّدِى
يُساقِط من فِيه المعاني كأنها ... فرائدُ دُرٍّ في ترائبِ خُرَّدِ
ومن كلِّ سطرٍ فوق طِرْس كأنه ... عِذارٌ تدلَّى في عوارِض أمْرَدِ
ومن مقطعاته قوله مضمنا:
قلتُ لما أن بدَا في خدِّه ... زَرَدُ العارِض نَبْتاً وانْتضَدْ
أنَباتٌ لاح في خدَّيك أم ... نسجَ الرِّيحُ على الماء زَرَدْ
قلت: أجاد في هذا التضمين، ولطف في نقله.
وأصله ما قال صاحب بدائع البدائة: روى عن عبد الجبار بن حمديس الصقلي، قال: صنع عبد الجليل بن وهبون المرسى الشاعر لنا نزهة بوادي إشبيلية، فأقمنا فيه يومنا فلما دنت الشمس للغروب هب نسيمٌ ضعيف غضن وجه الماء، فقلت للجماعة: أجيزوا
حاكتِ الريحُ من الماءِ زَرَدْ
فأجازه كلٌ منهم بما تيسر له.
فقال لي أبو تمام غالب بن رباح الحجام: كيف قلت يا أبا محمد؟ فأعدت القسيم له.
فقال:
أيُّ دِرْعٍ لقتالٍ لو جمَدْ
ثم قال صاحب البدائع، بعد ما سبق: وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف فقال:
نثرَ الجوُّ على التُّرْبِ بَرَدْ ... أيُّ دُرٍّ لنُحورٍ لو جمَدْ
فتناقض المعنى بذكر البرد لو جمد، إذ ليس البرد إلا ما جمَّده البرد، اللهم إلا أن يريد بقوله: لو جمد لو دام جمده، فيصبح.
ومثل هذا قول المعتمد بن عبَّاد، يصف فوَّارة:
ولرُبما سلّت لنا من مائها ... سيفا وكان عن النواظر مُغْمَدَا
طبعتْ لُجَيْناً ثم زانت صَفْحَةً ... منه ولو جمَدتْ لكان مُهنَّدَا
وقد أخذ المقَّرى هذا المعنى، فقال يصف روضا:
لو دام هذا النَّبْتُ كان زَبَرْجَداً ... ولو جَمدتْ أنهارُه كُنَّ بَلُّورَا
وهذا المعنى مأخوذ من قول على التُّونسي الإياديّ، من قصيدته الطائية المشهورة:
ألُؤْلؤٌ قَطْرُ هذا الجوِّ أو نُقَطُ ... ما كان أحسنَه لو كان يُلْتقَطُ
والمعنى كثير للقدماء، قال ابن الرُّومي، من قطعة في العنب الرَّازقي:
لو أنه يبْقَى على الدهورِ ... قرَّط آذانَ الحسان الحُورِ
عوداً على بدء.
ووما يشبه ما حاوله في التَّضمين قول عزِّ الدين الموصلي:
كالزَّردِ المنظومِ أصْداغُه ... وخدُّه كالوردِ لمَّا وردْ
بالغْتُ في الَّلثْم وقبَّلتُه ... في الخَدّ تقْبيلاً يفُكُّ الزَّرَدْ
وللبابي في ذم من تعذَّر:
قد كسَا اللهُ صُبحَ خدَّيْه ليلاً ... وطَلى ذلك البياضَ سَوادَا
أصبحتْ ماءُ وَجْنتيْه سَراباً ... وغدَت جمرةُ الجمال رَمادَا
وله أيضاً:
نادى لوَ أن النِّدا يُجدِي ... قِفوا انْظروا ما أصاب خَدِّي
قد كان ورداً بغير شوكٍ ... فصار شوكاً بغير وردٍ
مثله لذي الوزارتين أبي الحسن بن الحاجّ:
أبا جعفرٍ مات فيك الكمالُ ... فأظهر خَدُّك لبْسَ الحدادِ
وقد كان يُنبِت وردَ الرياض ... فأصبح ينبتُ شَوْكَ القَتادِ
ولعرقلة الكلبيّ:
إذا ما الأمْرَدُ المصقول جاءتْ ... عوارضُه فنْقصٌ في ازْديادِ
وهل يَستحسنُ الإنسانُ روضاً ... إذا ما حلَّه شوكُ القَتادِ
ومن بدائعه قوله من قصيدة، قالها وهو بالرُّوم يتشوَّق إلى الباب:
تذكَّر بالْباب ظبياً غَرِيرَا ... وعيشَا رقيقَ الحواشِي نَضِيرَا
وعهداً تَرِفُّ أساريرُه ... قطفْنا به العيشَ غضًّا نضيرَا