مَساحِبُ أذْيالِ لهوٍ بها ... لبِسْنا الشبابَ طرِيّاً طَرِيرَا
وفي سَفْح تَيْماءَ وادٍ أغَنُّ ... ثَراه تراه يفُتُّ العَبِيرَا
نسيماً عليلاً وظلاًّ ظليلاًَ ... وماءً نَميِرا وروضا مَطِيرَا
تُعانِق فيه الغصونُ الغصونَ ... ويلْطِم فيه الغديرُ الغديرَا
وللوُرْقِ صَدْحٌ بأفْنانِها ... كألْحانِ داود يَتْلو الزّبورَا
وأثَّر فَرْطُ اعْتلال النسي ... مِ في حركات الغصونِ فُتورَا
للرِّيح بالطيرِ فوق الغصو ... نِ عبَثٌ به يستخِفُّ الوَقُورَا
فبيْنا يكاد يمَسُّ الثرى ... بها إذْ يكاد يمَسُّ الأثِيرَا
وماءٌ يسِحُّ على وجهِه ... ويسرَح في كل وادٍ مُغِيرَا
فلولا تشبُّثُ حَصْبائِه ... به كاد من خِفَّة أن يطيرَا
إذا ما اسْتدار خلال الرياضِ ... تخال مَعاصِم ضَمَّت خُصورَا
وقوله في الغزل:
كأنما أوْقف اللهُ العيونَ على ... رُؤْيا محاسنِه لاصابَها ضَرَرُ
فلو بدَا من وَرا المرآةِ لانْحرفتْ ... عن أهلِها حيث دارتْ نحَوهُ الصُّوَرُ
وكثيرا ما يسأل عن معنى البيت الثاني، وأحسن ما يوجَّه به، أن قوله من ورا، أي من خلف المرآة، لانحرفت الصور حيث سارت محاسنه، لأن الأبصار وقفٌ على محاسنه، لأن البصار وقفٌ على محاسنه، والمراد من الصور المنحرفة الدّاخلة المرآة.
وإنما أفرد المرآة وجمع الصُّور، مع أن في المرآة صورة واحدة، لأن المرآة الواحدة يمكن أن يرسم فيها صورٌ كثيرة، على طريقة البدليَّة، ولا تتعدد المرآة.
والصُّور فاعل انحرفت، وفاعل سارت ضميرٌ راجع إلى محاسنه.
وله:
ولي نفسُ حرٍّ لا مُني تسْترقُّها ... ولا مَطَمعٌ نحو الهَوانِ يُدِيرُهَا
متى استكْبرتْ تصْغُرْ وإن هي صُغِّرتْ ... تساوَى لديها عبدُها وأميرُهَا
إذا لَمستْها كفُّ عِزٍّ تطامنَتْ ... وإن لَحَظتْها عينُ هُونٍ تُطيرُهَا
وله، وهي من غرره:
كاد يسعَى للتَّصابِي أوْسعَى ... وَيْحَه ما عفَّ حتى نَزَعَا
الصَّبا لاسامح اللهُ الصَّبا ... نبَّهتْ من غَيِّه ماهجَعَا
واستثارتْ من أقاصِي لُبِّه ... صَبْوةً كان رَثاها ونَعى
قد صَبا طَوْعَ هواه ما صَبا ... ورعَى شُهْبَ الدياجِي ما رعَىَ
هُجَنٌ ستَّرها ليلُ الصَّبا ... غَضَّ عنها صُبحَ فوْدٍ طلَعَا
وعِثارٍ قد أقلَّتْه النُّهَى ... فإن استأْنفت فيه لا لَعَا
زعَموا إن أسكتْتني ضِنَّةٌ ... بالقوافي أن طَبْعي رجَعا
وتناسَوْا ذلك النَّظْمَ الذي ... زاد في الرِّقة حتى انْقطعَا
والمعاني الَّلاي أنَّى أُنْشِدتْ ... تلْمَس العقدَ الغواني جزَعَا
غَرّهم منّي سكوتٌ كلُّه ... كلماتٌ تُسمِع الصُّمَّ الدُّعَا
وخُمود تحته جَزْلُ الغَضا ... وسكونٌ تحته الرِّيُّ سعَى
في حِرِ امِّ الشِّعر مالي وله ... خَلَّة سُدَّتْ وغَيٌّ أقْلعَا
قوله: زاد في الرقة نقله من قول ابن مليك، في الغزل:
لَيِّنُ الأعطافِ من خَصْرُه ... رَقَّ حتى كاد أن ينْقطعَا
وقوله: تلمس العقد الغواني، من قول المنازيّ:
ترُوع حَصاه حالِيَة العذارَى ... فتلْمسُ جانبَ العقْدِ النَّظيمِ
وله من قصيدة طويلة مستهلها:
حوَّلت عهدَ عيْشِه الأهوالُ ... واستحالتْ من وُدِّها الأحوالُ
سَلْ رُسوم الرُّبوع عنها وما يُجْ ... دي سؤالٌ عنه الجواب السؤالُ
قد وقفْنا نبكي الطولَ بها حتَّى ... بكتْنَا بدمعها الأطلالُ
وعجبنا لرَبْعها كيف أقْوَى ... مُطرقاً واسْتحال ذاك الجمالُ