ساكنٌ في السكون منه اضْطرابٌ ... ساكتٌ في السكوت منه مَقالُ
صرَفتْ نَقْده صُروفُ الليالي ... واستخفَّتْ به الخطوبُ الثِّقالُ
عَهْدُنا في ذُراه يُستأنَس الأُنْ ... سُ وتُستَرْوَح الصَّبا والشَّمالُ
غادرَتْه الأغْيارُ تُستوحَش ال ... وَحْشَةُ فيه وتُوجَل الأوْجَالُ
يا أُثَيْلاتِ مَسْرحٍ أقبل الإدْ ... بارُ فيه وأدبر الإقْبالُ
باكَرتْكُنَّ عن عيون الغوادِي ... إن عَراكُنَّ من دموعي المَلالُ
طالما بات للجمال مَقِيلٌ ... في ذُاركُنَّ والعِثارِ مقالُ
وزمانٍ ما طال بالوصلِ حجتى ... قَّصرتْه أيامُ هَجْرٍ طِوالُ
أخْلقتْ جِدَّةُ النَّوى ذلك العهْ ... دَ ولبَّى داعي النعيم الخيالُ
أي ذنبٍ نُعاتب الدهرَ فيه ... وعتابُ الأيام داءٌ عُضالُ
أنا ما بين فُرقةٍ تجمع السُّقْ ... مَ وبُعْدٍ تدنُو به الآجالُ
وخُطوبٍ ألِفْتُها يستعيذُ الْ ... خوفُ منها وتَذعَر الأهْوالُ
وأمانٍ تُجاذب الدهرّ ذيلَ الْ ... حظِّ والدهرُ جاذبٌ جَدَّالُ
هِمَّةٌ أرَّقتْ جفونَ الأماني ... بوُعودٍ للدهر فيها مِطالُ
واشْتغالٍ فرَغْتُ فيه عن اللهْ ... وبأمرٍ للحظِّ عنه اشْتغالُ
أتمنَّى من الزمانِ وفاءً ... ووفاءُ الزمان أمرٌ مُحالُ
وله من أخرى، أولها:
أقَبُول تنَّفستْ أم قُبولُ ... أم شَمالٌ دارتْ بنا أم شَمُولُ
نشرتْ نَشْرها النَّدِىَّ كأنَّ ال ... أُفْق بُرْدٌ من الكِبَا مَبْلولُ
مَهَلاً يسْترِحْ سَنامُك من وَقْ ... رِ الشَّدِّ فالأناةُ أمرٌ جميلُ
واسْعِدينا بوَقْفِة نَسْمَةِ الشَّ ... آمِ فقد يرحُم العليلَ العليلُ
كيف خَّلْفت دارَ أنْسٍ ومن الأُنْ ... سْ فعَهْدي بالأُنس عهدٌ طويلُ
بوُجوه متى تبدَّتْ تبدَّى التَّ ... كبيرُ من حولِهنَّ والتَّهْليلُ
التكبير والتهليل للتعجُّب، مما استعمله المولَّدون.
قال المتنبيّ:
كبَّرتُ حول ديارهمْ لما بدَتْ ... تلك الشموسُ وليس فيه المشرِقُ
ووقع في مجلس أبي بكر بن زهر، أن بعض أدباء الأندلس كان عنده، فدخل فاضل من أهل خراسان عليهم، فأكرمه ابن زهر، وأجلَّه.
فقال الأندلسيّ: ما تقول في علماء الأندلس وأدبائهم وشعرائهم؟ فقال: كبَّرت.
فلم يفهم جوابه، واستبرده.
فلما فهم ابن زهر إنكاره، قال: قرأت شعر المتنبي؟ قال: نعم، وحفظته.
قال: أما سمعت قوله:...... وأنشد البيت، فعلى البيت، فعلى نفسك فلتكبِّر، ولفهمك اتِّهم وأنكر.
فخجل، واعتذر.
ومثله استعملوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الشيوخ بحماة:
فمَن رأى ذلك الوِشا ... حَ الصَّائمَ صلَّى على مُحمَّدْ
ولبعضهم في وصف خط:
خطٌّ كما انْفتحتْ أزاهيرُ الرُّبَي ... مُتنَزَّه الألْبابِ قَيْدُ الأعْيُنِ
وبلاغةٌ مِلْءُ العيونِ مَلاحةً ... نال النبيُّ بها صلاةَ الألْسُنِ
وقد منعها النَّوويُّ في مثل هذا شرعاً.
قال: والوارد في مثله سبحان الله، كذا ذكره في أذكاره.
وقال الحليميّ: إنه جائز بلا كراهة.
وبَّينوا وجهه في فقههم.
وله من قصيدة، أولها:
عُوجا على رَسْمِ ذلك الطَّلَلِ ... نَقْضِي حقوقَ الليالِي الأُوَلِ
لعلَّ نَثنِى أعطافَه ثانيةً ... وقد ترجَّيْتُ غيرَ مُحتَمِلِ
فالدهرُ بأْبَي إبقاءَ مُغتنَمٍ ... فكيف يُرْجَى لرَدِّ مُرتحِلِ
لكلِّ ماضٍ من شِبْهِه بدَلٌ ... وما لعهْدِ الشبابِ من بدلِ
سقى لُوَيْلاتِنا بذي سَلَمٍ ... كلُّ مُلِثِّ الرَّبابِ مُنْهمِلِ