للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطَلٌ لو شاء تمْزيقَ الدجى ... لأتاه من عمودِ الصبح رُمْحُ

كم سطورٍ بالقَنا يكتُبها ... وسطورٍ بلسانِ السيف يَمْحُو

كلُّ ما قد قيل في تَرْجِيحِه ... في النَّدَى أو في الوغَى فهْو الأصَحُّ

منها:

آهِ من جَوْر النَّوى لا سُقِيَتْ ... تُعْطِب الحُرَّ وما للحرِّ جُنْحُ

غُرْبةُ الأوطان أوْدتْ كبدي ... واعْتراني ألَمٌ منها وبَرْحُ

حَسَّنوا القولَ وقالوا غُربةٌ ... إنما الغُربةُ للأحْرار ذَبْحُ

فانتقِذْني واتخذني بُلْبُلا ... صَدْحُه بين يدَيْ عَلْياك مَدْحُ

بِقَوافٍ كَسَقِيط الطَّلِّ أو ... أنَّها من وَجَنات الغِيد رَشْحُ

ومما علق من مترنماته، وأغلق عليه باب مسلماته.

قوله:

قد نفدَتْ ذخائرُ الفؤادِ ... فكم أُرَبِّي الدمعَ للسُّهادِ

فُؤادُ من يُحبُّ مثلُ دمعِه ... ودمعُه مَظِنَّةُ النَّفادِ

إذا هدَى الليلُ فطفلُ مُقْلتي ... يبِيتُ بالنَّزيف غيرَ هادِ

ومن بكى من النوى فقد رأَى ... بعيْنه تقطُّع الأكْبادِ

تمايَلوا على الجِمال مَيْلةً ... فعلَّمُوها مِشْيةَ التَّهادِي

وما سمعتُ بالغصون قبلَهم ... مشتْ بها أكْثِبةُ البوادِى

فإن تجْد يَدِي على ترائِبي ... فلا تقُلْ لغَيْبة الفؤادِ

وإنما رفعتُها لأنها ... كانت لهم حمائلَ الأجْيادِ

حُمْرُ الخدود إن تغِبْ فشكلُها ... بناظريَّ داخلَ السوادِ

لأجْل ذا الدمعُ جَرى بِشوْقها ... فنظَّم الياقوت في نِجادِ

لا وأبى ومَن يقُل وأبى ... فقد تَلاَ أليَّةَ الأمْجادِ

ما عثَر الغَمْضُ بذيل ناظِري ... ولا انْثنتْ لطَيْفهم وِسادِي

وهَبْ رَشاشَ مقلتي حبائلاً ... فأين منها زَلَق الرُّقادِ

آهٍ آهَ إن تكنْ مِلْءَ فمي ... فإنها مَضْمضةُ الصَّوادِي

قد نفَض السمعُ كلامَ غيرهم ... كما نفضْتُ الصبر من مَزادِي

أعاذِلي وللهوى غَوايةٌ ... بِعْتُ بها كما ترى رَشادِي

ولِعتْ بي وشُعْلتي كمِينةٌ ... بقادحٍ يعبثُ في زِنادِي

دعِ الهوى يعبَثْ بي وإن تَشَا ... فعُدَّني من عذَباتِ وادِ

ما لحق الَّلومُ غبارَ عاشقٍ ... حَدا به من المَشِيب حادِي

أما ترى الأقاحَ حول لِمَّتِي ... حكى ابْتسامَ البرقِ في البوادي

بشَّرني طلُوعه بأنَّ لي ... صبحَ وِصالٍ لدُجى بِعادِي

ولم أقلْ مَناصِلٌ تجرَّدتْ ... وأُرْكِزت بجانبِ الأغْمادِ

كأن شِيبَ الشَعَرات ألْسُنٌ ... على ضَياع رَوْنقِي تُنادِي

لبْستُ ما أضاعني فأُسْوتي ... كأُسْوِة الجمرِة في الرَّمادِ

ومن رباعياته قوله:

لا تُبْدِ لمن تحبُّه ما أُبْدِي ... واصبرْ فعلَّ الصبرَ يوماً يُجدِي

إظْهار مَحَّبتي لمن أعشَقُه ... صارتْ سبباً لطُول عُمرِ الصَّدِّ

ومن بدائعه قوله:

تذكرتُ إذ مَرَّتْ بنا الغِيدُ بُكْرةً ... تلهُّبَ خالٍ في لَظَى خَدِّ أغْيَدِ

وردَّدْتُ طَرْفي ساعةً فرأيتُه ... فؤادي الذي قد ضاع في الحبِّ من يَدِي

وقوله، مضمنا في الدخان:

عكفتُ على شُرْبِ الدُّخان وفي الحشَا ... لهيبُ الجوَى فازْداد جَمْراً على جمرِ

فقلتُ أُداوِي نار قلبي بمْثلها ... كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ

وقوله:

زُرْ واُجْلِ لَمْسمعي كؤوسَ اللَّفْظِ ... واجعلْ كبدي غْمِداً لسيفِ اللَّحْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>