كلا ولا كحَل الرُّقاد جفونَه ... أيلَدُّ من ألِفَ الهوى بهُجودِ
ما أعذب التعذيبَ في طُرْق الهوى ... إن لم تُشَب أسْقامُه بصدودِ
نفسِي الفداءُ لذي قَوامٍ ناضرٍ ... جعل الحِدادَ وسيلةَ التهديدِ
رَخْصٌ كجسم النُّور مهْضوم الحشَا ... لَدْن كخُوطِ البانةِ الأُمْلودِ
لبستْ غدائرُه الدجى وتقلَّدتْ ... لَبَّاتُها من زهْرها بعقودِ
عهدي به والليلُ منْفصِم العُرَى ... مُتوسِّد وَفْق المُنى بزُنودِ
والقلبُ يَظْمأُ من مَراشِف ثغرِه ... ظمأَ السكارَى بابْنة العنقودِ
بعث الشبابُ على ورود رُضابِه ... فأتى الفراقُ وحال دون وُرودِ
فجعلتُ زادِي بعده جَرْعَ الأسَى ... وأطلتُ فيه تَهائمي ونُجودِى
وغدوْت في شجَنٍ يُقْلقِل أضلُعي ... إن الشجونَ عَلامَة المَعْمودِ
ليت الذي منع التَّداني بيننا ... وقضى عليَّ بوَحْشة التعبيدِ
بُلْوِى فيُسعفني بتقْريب الخُطا ... ويفْكُّ من أسْر الفِراق قُيودِى
فأشِيمُ برقَ الوصل من قِبَل الحمَى ... وأشمُّ رَوْح الأُنْسِ غير بعيدِ
وأرى خيامَ أحبَّتي وقبابَها ... كالخَوْد تُجْلَى في عِرَاصِ البِيدِ
أرض يفُوح بتُرْبها أرَجُ النَّدى ... والمجدُ في نُوَّارِها المخْضودِ
هي مهبِط الوحىِ القديمِ ومَعِقلُ الدِّ ... ين القويمِ وموطنُ التوحيدِ
وكتب إلى الأمير منجك قصيدة طويلة، اكتفيت منها بالمقدار الذي كتبته، ومطلعها قوله:
سقى جِلِّقاً صَوْبُ السحابُ المزرَّدِ ... وباكَر من أفْيائها كلَّ معهدِ
وقَّلد أجْيادَ الرُّبى في عِراصِها ... يدُ الغيث عِقْدَى لُؤْلُؤ وَزَبْرَجِد
ولا زال خفَّاقُ النُّعامَى مُنبِّها ... عيونَ الخُزَامى بالخفيف المجسَّدِ
وغنَّتْ بها الأطيارُ من كل نَغْمة ... تُهيِّجْن ألْحان النديمِ ومَعْبَدِ
لقد هتَفتْ منها بوَجْدِي سواجِعٌ ... تَلَّفع أظْلالَ الغُصون وترْتدِى
تُنوح وتُشْجينا فنزْداد عَيْمةً ... سنعلم إن مِتْنا صدى أيّنا صَدِ
أشِيم بروقاً بالشَّآمِ مُثيرةً ... عقابِيلَ شوقٍ بالفؤاد المُشرَّدِ
وأسْتافُ نَشْراً كلَّما هبَّ ضائعاً ... تُحدِّث أنفاسَ الحبيب المُبعَِّد
فيْهتزُّ من رَيَّاه قلبي وينْثني ... ولولا اهْتزاز الغصن لم يتأوَّدِ
فَواحُرقتي إن لم أبلَّغْ نعيمَها ... ووافُرقني إن بِتُّ والبَيْن مُقعِدِى
ويومٍ بلَأْلاء الكؤوس مفضَّضٍ ... كستْه يدُ الصَّهْباء حُلَّةَ عَسْجَدِ
قضيتُ به حقَّ الهوى غير أنني ... متى أدْنُ منه اليوم يْنأَى ويبعُدِ
رعى اللهُ أيام الوصالِ فإنها ... ألذُّ من التَّهْويمِ في جَفْن أرْمَدِ
تقضَّتْ وضنَّ الدهرُ منها بنَهْلَةٍ ... تبُلُّ غليلَ السَّائق المتزوِّدِ
منها:
عسى تقذف البَيْداءُ نَضْوِى برحلةٍ ... تُنِّفس عن أسْرِ المَشُوق المُقيَّدِ
إلى بقعة زِينتْ بباقعِة الحجَى ... مُنِيل المعالي المَنْجَكِيِّ محمدِ
عريقِ بلاد الشام دُرَّةِ تاجها ... غَياثِ بني الآداب مَأْوَى المُطرَّدِ
منها:
أخا مَنْجَك يا أكملَ الناس فِطْنةً ... وأشرفَهم بْيتاً بغير تردُّدِ
صبغتَ العُلى بالمكرُماتِ فلم يَحِلْ ... وينكَر في الأعْراضِ غيرُ التجدُّدِ
أمولاىَ يا بدرَ المعالي وشمسَها ... ويا رحلةَ الآمالِ من غير موعدِ
لقد ذلِقتْ في وصف مجدِك ألْسُنٌ ... وعَجَّتْ به بالرُّكْبانُ في كلِّ مشْهدِ