يْسرى بهم نَجْمان في ليلِ الوغَى ... رأىُ الوزير ورايةُ الإسلامِ
وكان أتحفني من أناشيده بطرف بدائع، هي في عهده الدهر من جملة مالي من ودائع.
ووقع في داره بالروم حريق، فتلف بعض أسباب رياشه، وذهب جل ما اتخذه من ذخائر معاشه.
فقلت أخاطبه:
فِدًى لك ما على الدنيا جميعَا ... فعِش في صِحَّةٍ وابْلِ الرُّبوعَا
لئن جزِع الأنامُ لَفْقد شيءٍ ... فلستَ لفَقْدك الدنيا جَزُوعَا
تعلَّمْنا الأناءَةَ منك حتى ... توطَّنَّا بها الشرفَ الرفيعَا
أفاض اللهُ جودَك في البرايا ... وأنبتَ من أياديك الربيعَا
وصوَّرك الميهمنُ من كمالٍ ... لنَعْلم صنع خالقِك البديعَا
فمُر واحكُم بما تختارُ فينا ... تَجِدْ كُلًّا با تهوَى مطيعَا
فلو كلَّفتَ يومَ الأمسِ عَوْداً ... لَخاض الليلَ واخْتار الرجوعا
ولو ناديتَ سهماً في هواءٍ ... لعاد القَهْقَري وأتى سريعَا
يضُمُّ البُرْدُ منك أخا فَخارٍ ... يبيتُ الليلَ لا يدري الهُجوعَا
وإنِّي مَن بجُودك قد ترقَّى ... وحلَّ من العُلى حصناً مَنِيعَا
خُلِقتُ على الوفاءِ لكمْ مقيماً ... وأوْفَى الناسِ من حفِظ الصنيعَا
وكتبت إليه من دمشق، بعد عودى من الروم إلى حلب، هذه القصيدة:
أرى النَّدْبَ مَن صافَي الزمانَ المحاربَا ... وأغْبَى الورى من بات للدهر عاتبَا
أتعتَبُ من لا يعقل العَتْبَ والوفا ... ولا هَمَّه شيءٌ فيخشَى العواقبَا
وإن ضَنَّ لم يسمَح بمثْقال ذَرَّةٍ ... ولم يُبْقِ موهوبا ولم يُبق واهبَا
ولا جَنَّةٌ تُغنِيك إن كان مانعاً ... ولا منزلٌ يُؤْويك إن كان طالبَا
أُحاوِل شَكْواه فألْقَى نوائباً ... تُهوِّن عندي منه تلك النوائبَا
ولن يسبِق الأقْدارَ من كان سابقاً ... ولن يغلبَ الأيامَ مَن كان غالبَا
ومَن صحِب الدنيا ولو عُمْرَ ساعةٍ ... رأَى من صُروف الدهر فيها العجائبَا
وقَفْرٍ كيوم الحْشر أو شُقَّة النوَى ... يُضِلُّ القَطا أعْملت فيه النجائبا
وليلٍ كقَلْبِ السامِرِيِّ قطعتُه ... إلى أن حكى بالفجر أسود شائبَا
وما كنتُ أرْضَى بالنوى غير أنني ... جديرٌ بأن لا أرْتِضى الذلّ صاحبَا
فنظَّمتُ من دُرِّ المعاني قلائداً ... جعلتُ قوافيها النجومُ الثواقبَا
وَيمَّمتُ أقْصَى الأرضِ في طلبِ العلى ... ولم أصْطحبْ إلا القَنا والقواضِبَا
فلاقيْتُ في الأسْفارِ كلَّ غريبةٍ ... ومن يغتربْ يلْقَ الأمورَ الغرائبَا
وخلَّفتُ مَن يرجُو من الأهلِ أوْبَتِي ... كما انْتظر القوم العطاشُ السحائبَا
وكم قائلٍ لا قرَّب اللهُ داره ... ومن يتمنَّى لو بلغتُ المطالبَا
فعُدْتُ على رغم الفريقْين سالماً ... ولم أقْضِ من حّق الفضائل واجبَا
وحسْبِي وجودُ ابن الحجازِيِّ نائلاً ... به لم أزلْ ألْقَى المُنَى والمآربَا
فتًى قد جهلتُ العُسْرَ منذ عرفُته ... ولَانتْ ليَ الأيامُ عِطْفاً وجانبَا
وأصبحَ يْلقاني العدوُّ مُسالماً ... وقد كاد يْلقاني الصديقُ مُحاربَا
منها:
فِراستُه تُغنيك عن ألفِ شاهدٍ ... تُرِيه من الأشياءِ ما كان غائبَا
وَقُورٌ كأن الطيرَ فوق جليسِهِ ... ترى الدهرَ منه خائفَ الدهرِ راهبَا
في قولهم: كأنما على رؤوسهم الطير توجيهان: أحدهما: أنهم لا يتحركون فصفتهم صفة من على رؤوسهم طائر يريد أن يصيده، فهو يخاف إن تحرك طيران الطير وذهابه.
والآخر، هو أن نبي الله سليمان عليه السلام، كان يجلس هو وأصحابه، ويقول للريح: