صَبٌّ يكاد يذوبُ من حَرِّ الجوَى ... لولا انْهمالُ جفونِه بالأدْمُعِ
وإذا تنفَّستِ الصَّبا ذكَر الصِّبَا ... وليالِياً مرَّتْ بوادي الأجْرَعِ
آهٍ على ذاك الزمانِ وطِيبهِ ... حيث الغَضا سكَنِي ومَن أهْوَى معِي
وليالياً مرَّتْ فيا لِلّهِ ما ... أحْلَى وأملحَها فهل من مَرْجَعِ
أحمامةَ الوادِي بشرقِيِّ الغَضَا ... إن كنتِ مُسعِدةَ الكئيبِ فرجِّعي
إنَّا تقاسمْنا الغَضا فغُصونُه ... في راحَتيْكِ وجَمْرُه في أضْلُعِي
وله، من قصيدة مطلعها:
أيكتُم ما به الصَّبُّ المَشوقُ ... وقد لاحتْ له وَهْناً بُروقُ
وهل يُخفِي الغرامَ أخو وُلوعٍ ... يُؤرِّق جَفْنَه البرقُ الخَفُوقُ
ويسلُو عن أُهَيل الجِزْعِ صَبٌّ ... جرَى من جَفْنِ عيْنَيه العَقِيقُ
إليكَ إليكَ عنِّي يا عَذُولِي ... فلستُ من الصَّبابةِ أسْتفيقُ
فلي قلبٌ إلى بَاناتِ حُزْوَى ... طَروبٌ لا يمَلُّ ولا يُفِيقُ
فإن سَمُومَها عندي نسيمٌ ... رَحِيقٌ في رحيقٍ في رحيقِ
فلو ذُقْتَ الهوى وسلكْتَ فيه ... لما ضَلَّتْ إليه بكَ الطَّرِيقُ
بعيْشِك هل ترى زمَني بِسَلْعٍ ... يعود وذلك العيشُ الأنِيقُ
ويمْنحُني أُصَيْحابِي بوصْلٍ ... ويرجع بعد فُرْقتِه الرَّفيقُ
فها قلْبي أسيرٌ في هواهمْ ... وها دمعِي لبَيْنِهمُ طليقُ
وقد عارضه في هذه الأبيات جماعةٌ من أهل اليمن.
وكتب إلى والده هذه القصيدة، يحثه فيها على الجهاد، لما أحصر الركب اليماني، وصد عن مكة، في سنة ثلاث وثمانين وألف:
لَعَمرُك ليس يُدرَك بالتَّوانِي ... ولا بالعجزِ غاياتُ الأمانِي
فما نيلُ المعالِي قَطُّ إلاَّ ... بِبيضِ الهند والسُّمْرِ اللِّدانِ
وحَزْمٍ دونه الشُّمُّ الرَّواسِي ... وعَزْمٍ لم يكنْ أبداً يُوانِي
ونفسٍ كلَّما جشَأت أرَتْه ... قرى نَعْمان ميلاً من عُمانِ
تخُوض إلى المَعالي كلَّ هَوْلٍ ... وليس لها عن العَلْياءِ ثَانِ
لها ثقةٌ بربِّ العرشِ حقّاً ... به الأقْصَى تَراه وهْو دانِ
أميرَ المؤمنين وخيرَ مَلْكٍ ... تبوَّأَ في العُلَى أعْلَى مكانِ
وتاجَ بَنِي النبيِّ ومُنْتَقاهم ... وأكرمَ مُعْتلٍ ظهرَ الحصانِ
أترْضَى أن نرى في الدهرِ هُوناً ... ويتْبُو رُكنه في ذَا الأوانِ
ويُمنَع وفدُ بيت اللهِ منه ... ويُضحِي الخوفُ فينا كالأمانِ
ويملكُه العُلوجُ ويمْنعوه ... ويُصْرَف عنه ذا الوفدُ اليمانِي
وأنتَ خليفةُ الرحمنِ فينا ... وأنتَ حُسامُه في ذا الزمانِ
ونحن بنُو البَتُولِ ونَجْل طه ... وفينا أُنْزِلتْ آيُ القُرانِ
ونحنُ به لَعَمْرُ اللهِ أوْلَى ... ونحن الشائدون به المَبانِي
فلا تركبْ بنا ظهرَ الهُوَيْنا ... ولا تجنَحْ إلى ظلِّ الأمانِ
وحولَك من بني المَنصورِ أُسْدٌ ... علَوْا في المجدِ هامَ الزِّبْرقانِ
ومن أبْناء حَيْدرةٍ كُماةٌ ... لهم في المَكْرُمات أجلُّ شَانِ
وإنَّ لَديْك من عَدْنانَ حقّاً ... ومن قَحْطان فرسانُ الطِّعانِ
ليوثٌ إن دعوتهمُ أجابوا ... بكلِّ سَميْدَعٍ رَحْبِ الجَنانِ
فشاوِرْهم ولاطِفْهُم وأحْسِنْ ... إليهم بالعطاءِ وباللِّسانِ
ولا تجعلْ كتابَك للأعادِي ... سوى السيفِ المُهنَّدِ والسِّنانِ
فأرْسِلْ نحوَ من نَاواكَ جيشاً ... أوائلُه بأرضِ القَيْرُوَانِ