تسيرُ جِيادُه في كلِّ قُطْرٍ ... إلى الأعداءِ مِرْ؛ اب العِنانِ
فتعلُو هامَ مَن نَاواكَ قَسْراً ... وتُرْغِم بالمَواضِي كلَّ شَانِ
فإنَّ اللهَ ربَّك قد توالتْ ... عوائدُه بعاداتٍ حِسانِ
وعَوَّدَك الجميلَ بكلِّ خيرٍ ... وقد شاهدْتَ ذلك بالعِيانِ
السيد الحسين بن الحسن ابن القاسم من تحائف الزمان وحسناته، وكأنه غرة في جبينه أو خالٌ في وجناته.
ذو كمال في الأدب أحرزه، وإبريز أدبٍ على محك الانتقاء والانتقاد أبرزه.
وله شعر بلغني منه بيتان، هما في ديوان الإجادة مثبتان.
وهما قوله:
في أفْرَقِ الثَّغْرِ كم أُقاسِي ... من عاذلٍ بالمَلامِ أفْرَقْ
يلُوم جهلاً على حبيبٍ ... أذوبُ في حبِّه وأفْرَقْ
السيد الحسن بن الحسين بن القاسم هذا الحسن، منشىء القول الحسن، ومبدي الفصاحة واللسن.
قلبه قالب للمعاني قابل، وطل فضله عند الفضلاء وابل.
تروت الأفكار بمنهل أدبه وسكوبه، وانتعشت الخواطر بروح زقه المملى وكوبه.
له أشعار هي في بهجة الألفاظ ورونق المعاني، راحة المعنى وسلوة المعاني.
فمنها ما كتبه إلى القاضي الحسين المهلا، وأصحبه رسالةً من مؤلفاته:
هل في رُبوعٍ بجَرْعاءِ الحمى طَلَلُ ... يحُلُّه مَن له في حَيِّه شُغُلُ
وهل لمَن لم ينَلْ في الدهرِ بُغْيَته ... من آل ليلَى وصالٌ ليس ينْفصلُ
يا جِيرةً طاب بين الناسِ ذكرُهمُ ... لأجْلِكم تعبتْ ما بيننا الرُّسُلُ
فعامِلونا بقَدْرِ الوُدِّ إنَّ لنا ... بشأنِكم هِمَّةً دانتْ لها الأُوَلُ
وما انْتفاعُ أخِي الدنيا بعَزْمتِه ... إذا تحوَّلتِ الأحوالُ والدُّوَلُ
فإن تقاعَد كان العجزُ غايتَه ... وإن تقاعَس أضْحى غابةَ الأسَلِ
سيدنا الذي مقدمات قياسه بديهية الإنتاج، وموضوع محموله بحده الأوسط ظاهر الإندراج.
تمثيل استقرائه حجةٌ يقينية، وترتيب دلائله أشكالٌ اقترانية.
شرطياته الاتفاقية لزومية، وافتراض عكسه مسقط لعقم الجزئية.
وكيف لا، وقد أشرقت به مدارس العلم وشرفت، وعمرت أركانها بمشيد أفكاره وما اندرست.
فهو شرف الدين والشرف أجلى حدود الفلك، بل خلاصة اليقين واليقين أقوى أوصاف الملك.
فأنهار علومه لا ينضب ماؤها ولا يفيظ، الحسين بن الناصر بن عبد الحفيظ.
حفظه الله بالمعقبات من أمره، ولحظه بعين العناية في سره وجهره.
أهدي إليه من السلام أتمه، ومن الإكرام والإنعام أوفره وأعمه.
وإنه ورد إلي ما أنتجه طبعه السليم، وفكره المستقيم، من فوائد ذلك الشكل الكريم.
فحملني على وضع هذه الرسالة مجاراةً لسوابق الأفاضل، ومباراةً لسهام المناضل.
فإن جاءت مقبولةً فذلك ما كنت أبغي، وإن عادت مردودةً فمما أطرح وألغي.
السيد إسماعيل بن محمد بن الحسن بن القاسم غصن من تلك الجنة، وخال في تلك الوجنة.
إن عدت الأفاضل كان أولى من عقدت عليه الخناصر، وإن ذكرت الأماجد كان أحرى بأن تبتهج بفطرته العناصر.
وهو أديب غاية في طول الباع، لو صور نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع.
وله شعر إذا تلاه المشغوف تفقد قلبه هل طار عن جسده، وإذا سمعه الحسود تمنى لو كان كل حسدٍ منضماً إلى حسده.
صفي القول فيه وروقه، ودعا به القلب إلى الغرام وشوقه.
فلو خوطبت به الصم لم تحتج أذنها إلى إذنٍ في استماعه، أو استنزل به العصم سارعت إلى التأنس بغرائب إلماعه.
وها أنا أتلو عليك منه ما يغازل العيون النعس، وتشتهي لو مازجت سلافة لطفه الشفاه اللعس.
فمنه قوله، من قصيدة:
أتَرَى السَّلْبَ للقلوب الشجِيَّهْ ... لسَواجِي لحاظِها كالسَّجِيَّهْ
أم رمَى غيرَ عامدٍ أسْهُمَ الهُدْ ... بِ ولم يَدْرِ أن قلبي الرَّمِيَّهْ
فعلت بِيَ اللِّحاظُ شرَّفها اللَّ ... هُ تعالَى ما تفعلُ المَشْرَفِيَّهْ
عرَّفتْني أسْحارَ بابلَ هارو ... تَ فكانتْ عندي هي البابليَّهْ