للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو همت الراح أن تشابهه في تجديد اللذات لقلنا لها هذا مما لا يدركه العتيق، أو التمس أحدٌ شقيقاً للرياض لقالت له وأبيك ما لي غير هذا النظم من شقيق.

أو تغلغل فكر ابن بحرٍ في طرفٍ من محاسنه غرقت فيه أواخره، أو تجلى طرسه للأفق غارت من شموس معانيه زواهره.

فلله در ناظمه من فصيحٍ لم يزل الحلي السطور لا الصدور صائغا، ومن بليغٍ يكون الكلام دونه أجاجاً فإذا انتهى إليه تلقى طيبه فصار فراتاً سائغا.

ومما جمعه من ثمر نظمه في تلك الأوراق، وأطلق براعته لرقممه فغدا مشكوراً على الإطلاق.

قوله في ورقا، رقت من الدوح ورقا، ورقت لها القلوب لما رقت نفسها خوفاً من الجنون وما أكيس من رقى نفسه ورقى:

ما للمَشُوق مُجِيبٌ في دُجَى الغَسَقِ ... سوى الصَّدَى وهَدِيلِ الوُرْق في الوَرَقِ

يا قومُ لو كان للورَرْقا شُجونُ شَجٍ ... ما صَفّقتْ من سرورٍ طَلْعةَ الفَلَقِ

ولو لها فقَدتْ إلْفاً لما خضَبتْ ... كَفّاً ولا جعلتْ طَوْقاً على العُنُقِ

ولم تُحرِّكْ لنا عُوداً وتنشِد من ... ألْحانِ إسحاقَ أصْواتاً على نَسَقِ

وهي التي دمعها ما زال مُحتبَساً ... والصَّبُّ من صَبِّ دمعِ العين في غَرَقِ

وحَسْبُها أنها باتتْ مُعانِقةً ... غُصْناً وبتُّ لغُصني غيرَ مُعتنِقِ

أبِيتُ ليلِي أُراعِي النجمَ مُكتئِباً ... لفَرْطِ ما بِيَ من وَجْد ومن أرَقِ

ما أعجبَ الحبَّ يشْتاقُ العَمِيدُ إلى ... رِئْم الصَّريمِ وقد أرْداه بالحَدَقِ

يا وردَ ذا الخدِّ دعْ إنكارَ قَتْلِ فتىً ... ما قَطُّ أبْقتْ له يُمنْاك من رَمَقِ

في خَدِّك الشَّفقُ الْقاني بدَا وعلى ... قَتْلِ الحُسَينِ دليلٌ حُمرةُ الشَّفَقِ

هذا الشعر أرق من مدام الطل في كؤوس الزهر، وأفتن ولا أقول أفتر من جفون الحور المكسورة على الحور.

ولطيفة الشفق من مبتكراته، وبدائع مخترعاته.

والقول بأن الشفق الأحمر لم يظهر إلا من بعد قتل الحسين بن علي وردت فيه أخبار.

قال العلامة ابن حجر الهيتمي، في الصواعق المحرقة، في باب خلافة الحسين ما لفظه: أخرج الثعلبي، أن السماء بكت وبكاؤها حمرتها.

وقال غيره: احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة تردد بعد قتله.

وأن ابن سيرين، قال: أخبرنا بأن الحمرة مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين.

وذكر ابن سعد أن هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله.

قال ابن الجوزي: وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه، والجو تنزه عن الجسمية، فأظهر تاثير غضبه على قتل الحسين حمرة الشفق، إظهاراً لعظيم الجناية.

انتهى كلام ابن حجر.

قلت: للمقال مجال في هذه الأخبار، فقد قيل قيد الشارع صلى الله عليه وسلم انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر، وجعلها حكماً من الأحكام ولا يكون ذلك إلا مع ظهوره في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ فإن من البعيد أن يتعبدنا الله بحكم معدوم سيوجد.

والحديث الوارد في تقييد انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر مشهورٌ عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولفظه: " الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ".

أخرجه ابن عساكر، في غرائب مالك.

وقال الدارقطني في السنن: قرأت في أصل أحمد بن عمرو بن جابر، قال: حدثنا علي بن عبد الصمد، حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا عتيق بن يعقوب، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، باللفظ المذكور أولاً.

ورواه ابن عساكر أيضاً من حديث أبي حذافة، عن مالك، وقال: حديث عتيقٍ أمثل إسناداً.

وقد ذكر الحاكم في المدخل حديث أبي حذافة، وجعله مثالاً لما ذكره المخرجون من الموقوفات.

وقال ابن خزيمة في صحيحه: حدثنا عمار بن خالد، حدثنا محمد بن يزيد، هو الواسطي، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمر، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " وقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق ".. الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>