للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن خزيمة: وإن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات، لكن تفرد بها محمد بن يزيد، وإنما قال اصحاب شعبة فيه: نور الشفق مكان حمرة الشفق.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قلت، محمد بن يزيد صدوق. انتهى.

والتوفيق بين القولين صعبٌ جداً، وبالله التوفيق.

ومما يتعلق بالشفق قول الشهاب:

مُذْ نَحَرْتُ الأيامَ خُبْراً وكانت ... لي مَطايا قد أثْقلَتْها الأمانِي

سلَختْ مُديةُ الهلال شُهوراً ... شفَقُ الأُفْقِ من دمِ السَّلْخِ قَانِي

ومن شعر الحسين هذه القصيدة:

لفؤادي في الهوى كَدٌّ وكَدْحُ ... ولطَرْفي بالدِّما سَحٌّ وسَفْحُ

يا أخا التحْذيرِ أغْرَيْتَ وكم ... مُغْرم أغْراه من قد راح يَلْحُو

قُل لِسَالٍ أسْنَد الوَجْد إلى ... نفسِه مَهلاً ففي الإسْنادِ قَدْحُ

إن كسا الوَجْهُ حسيْناً ثوبَه ... فأحاديثُ الكِسا فيه تَصِحُّ

عاذِلي كُن عاذِري في حُبِّ مَن ... فَرْقُه مَعْ فَرْعه صُبْحٌُ وجُنْحُ

ظالمٌ مَأْواه في قلبي وما ... لذوِي الظُّلمِ من النِّيران بَرْحُ

شَحَّ بالوصلِ وللرِّيم حكَى ... أَخُّ من شخصٍ كريمٍ فيه شُحُّ

قَدُّه لا طَعْنَ في أوصافهِ ... عجباً لا طعن فيه وهْو رُمْحُ

كلَّما ماسَ تغنَّى حَلْيُه ... فإذا للوُرْقِ فوق الغُصْنِ صَدْحُ

أنْكرَتْ عيْناه قْتلِي وعلى ... وَجْنتيْه من دمِي نَضْحٌ ونَصْحُ

بدمِي قد شهدتْ وَجْنتُه ... ولطَرْفي وَيْحَه في تلك جَرْحُ

ليت شِعْري هل لقلبي سَلْوةٌ ... عنه كلاّ ما لِهذَا البابِ فَتْحُ

لا يطِيبُ العيشُ إلاَّ للذي ... لم يكُن في طَرْفِه ما عاش طَمْحُ

فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ ... رُبَّ جِدٍ جَرُّه للمرءِ مَزْحُ

تالله ما هذا الإ روضٌ يسند لنا وجهه الطلق عن بشر بن بسام، وتتغنى حمائمه فيجر النسيم ذيله طرباً ويرقص الزهر والأكمام.

وقوله: إن كسا إلخ، فيه إشارة إلى خبر مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة، وعليه مرطٌ مرجل من شعر أسود، فجاء الحسين فأدخله، ثم الحسن فأدخله، ثم فاطمة فأدخلها، ثم عليٌّ فأدخله، ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".

وفي رواية: " اللهم هؤلاء أهل بيتي ".

وفي رواية أخرى أن أم سلمة أرادت أن تدخل معهم، فقال صلى الله عليه وسلم بعد منعة لها: " أنت على خيرٍ ".

وفي رواية أنها قالت: يا رسول الله، وأنا! قال: " وأنت من أهل البيت العام ".

بدليل الرواية الأخرى: وأنا؟.

قال: " وأنت من أهلي ".

وكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لواثلة، لما قال: يا رسول الله، وأنا؟ فقال: " وأنت من أهلي ".

وفي حديث حسن، أنه صلى الله عليه وسلم اشتمل على العبا وبنيه، ثم قال: " يا رب، هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي، وخاصتي، فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي ".

وقوله: " ظالم مأواه في قلبي ".. البيت.

هو كقول ابن نباتة:

شديدُ الظلمِ مسكنُه بقلبِي ... كذاك الظلمُ يُوقِع في السَّعيرِ

إلا أن بيت صاحب الترجمة أكمل معنىً، وأروق لفظاً، وأصح مبنىً.

وقوله: شح بالوصل.. البيت، هو كقول الصفي الحلي:

مُبَخَّل يُشْبه رِيمَ الفَلاَ ... وأطْولُ شَوْقِي من بخيلٍ كريمْ

وقوله: أنكرت عيناه قتلي..، والبيت الذي بعده، هما كقول القائل:

أنكرتْ مُقلتُه سَفْكَ دمي ... وعلاَ وجْنته فاعْترفَتْ

وقول الآخر:

خدَّاك بقتْلي قد شهِدا ... فعلى مَ جُفونُك تجْحدُهُ

ولكن فاتهما لطيفة النضح والنصح، وتورية الجرح التي لا أعدل ممن يشهد بحسنها من العدالة إلا العدول إلى القدح.

وأما قوله:

فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ

فلا يخفى ما في وجه فصاحته من النضرة، التي تصبو إليها أبصار البصائر من أول نظرة.

وإرسال المثل فيه هو الجمال البديع، والسحر المبين لأهل البديع.

فسبحان المانح.

<<  <  ج: ص:  >  >>