ومن قلائد أشعاره، وخرائد أفكاره.
قوله في الغزل:
خفِّفْ على ذي لَوْعةٍ وشُجونِ ... واحْفَظْ فؤادَك من عُيونِ العِينِ
فلَكَمْ فؤاد وَاجِب من سَهْمِها الْ ... مسمومِ أو من سيْفها المَسنونِ
واترُكْ مَلامةَ مُغْرَمٍ في حبِّ مَن ... أغنتْ مَ؛ اسنُه عن التَّحْسينِ
رَشَأٌ أغَنُّ غَضِيضُ طَرْفٍ لم يزَلْ ... يأتِي بسحْرٍ مِن رَناه مُبِينِ
ستَر الضحى من شعرِه بدُجىً كما ... كشفَ الدُّجى منه بصُبح جَبِينِ
وتراه مُنتصِبَ القَوامِ ولم يزَلْ ... عن ضَمَّه ينْهَى بكسْر جُفونِ
وإذا مشَى مَرَّ النسيمُ بعِطْفِه ... فيكاد يلْويِه لفَرْطِ اللِّينِ
نابتْ عن الصَّهْبَا سُلافةُ رِيقهِ ... وخدودُه أغْنَتْ عن النَّسْرِين
ما مال كالنَّشْوان تِيهاً عِطْفُه ... إلاّ وفيه ابنةُ الزَّرَجُونِ
وترى الذي أرْداه صارمُ لَحْظِه ... يحيا برَشْفِ رُضابِه في الحِينِ
فلِحاظُه فيها المَماتُ ورِيقُهُ ... ماءُ الحياةِ لمُغرَمٍ مَفْتونِ
يا شادناً شاد الغرامُ كِناسَه ... في مُهْجتِي لا في رُبَا يَبْرينِ
لك في فؤادِي مَرْبَعٌ وحُشاشتِي ... لك مَرْتَعٌ والوِرْدُ ماءُ عُيونِي
يا مَن له الخَدُّ الأسِيلُ ومَن له الطَّ ... رفُ الكحِيلُ وحاجِبٌ كالنُّونِ
ما زلتَ مُغْرىً بالخِلافِ لشافِعي ... يا مالكِي وتقول لا تُرْدِينِي
وَيْلاه مِن لا في الجواب وكَرْبِها ... يا كربَ لا أرَضِيتِ قتلَ حسينِ
لمَّا تحمَّلتُ الغرام وقام في ... جَفْنِي السَّقامُ وسال ماءُ جفونِي
يا مَن يدومُ على البِعادِ أما ترى ... قد حَلَّ بي من ذاك ما يُضْنِينِي
زفراتُ مُشتاقٍ ولوعةُ عاشقٍ ... وحنينُ مُدَّكِرٍ ودمعُ حزينِ
ورضيتُ قتْلي في هواك ولم أقُلْ ... أكَذا يُجازَى وُدُّ كلِّ قَرِينِ
قوله:
وَيلاْه مِن لا في الجواب وكَرْبها
هو كقول الفيومي، في مليح اسمه حسين:
جعلتَ جَفْني واصلاً والكرَى ... رَاء فجُد بالوصل فالوصلُ زَيْنْ
ولا تُجِبْني عن سُؤالِي بِلاَ ... فالقلبُ يخْشَى كَرْبَلاَ يا حُسَيْنْ
لكن قول الحسين هو عند نقاد الأدب الدر الثمين، فإنه أبدع وأطرب، وأغرى على حب محاسنه وأغرب.
ومن ظره بعين الإنصاف، رآه أسنى من البدر عند الإنصاف.
ومن نظمه قوله مضمناً في شخص يلقب بأخي الحوائج:
سُلْوان قلبي في هوَى من لقَّبوا ... بأخِي الحوائج ما إليه سبيلُ
عجباً له ما مَلَّه ذُو مُقْلةٍ ... وأخو الحوائج وجهُه مَمْلولُ
وقوله مضمناً مع زيادة التورية:
ورِيمٍ غَرِيرٍ بالجميل مُولَّعٌ ... تناءيتُ عنه وهو يدْنُو ويقرُبُ
فقبَّلْتُه في الخَدِّ سبْعين قُبْلةً ... وكلُّ امرىءٍ يُولِي الجميلَ مُحبَّبُ
استعمال التحبيب بمعنى التقبيل عرف شائع لأهل اليمن، وبه حسنت التورية.
وكتب إلى القاضي عماد الدين يحيى بن الحسين الحيمي ملغزاً:
قُل لعماد الهدى الجليلِ ومَن ... كاد لفَرْط الذكاءِ يلْتهِبُ
ما سابحٌ في البلاد ذُو قَلَقٍ ... ما إن له في وقوفه أرَبُ
يُتابع الخِضْر في شريعتِه ... فاعْجَبْ له إنَّ أمرَه عجَبُ
إذا ألْتقتْه السَّفِينُ يخْرِقُها ... وهو لعُمْر الغلام ينْتَهِبُ
لكنه في الجدارِ خالفَه ... يُزَلْزِل الجُدْرَ وهو مُنْتَصِبُ
ما زال ما سَار في تقلبُّبِه ... وهْو على ذاك ليس ينْقلِبُ
فأجابه القاضي أبو الفضل محمد بن الحسن: