للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلعمري لقد نسج ببنان البيان برداً لم ينسج على منواله، وأثار برقه ذلك الغزل جوىً في حوائج كم من واله.

فلما وصلت تلك الكلمة السنية، قابلها المحب بالإعظام والإجلال، ووضعها على العين والرأس، وقال:

أهلاً بها فهْيَ أنفاسٌ ذَكِيَّاتُ ... نَدِّيَّةٌ ما لها نِدٌّ نَدِيَّاتُ

هبَّت لنا من جهاتِ الشرقِ عاطرةً ... وإنها نسَماتٌ عَنْبَريَّاتُ

جاءتْ تُذكِّر أيامَ العَقِيقِ فَصُبَّ ... تْ من الطّرْف في الخَدِّ الصُّباباتُ

سقَتْ عهودَ لياليِه العِهادُ ففِي ... تلك الليالِي التي مَرَّتْ حلاواتُ

أَعُدُّها من ليالي القَدْرِ حين غَدَا ... في جُنْحِها لنُزول الرُّوح عاداتُ

مَن إن تثنَّى تغنَّى حَلْيُه فإذا ... لِلْوُرْقِ فوق قضِيبِ الْبانِ نَغْماتُ

وقَدُّه ليس فيه مَطْعَنٌ أبداً ... فاعْجَبْ وقد شابهتْه السَّمْهرِيَّاتُ

واعْجَبْ لألْحاظِه ما في الجمالِ يرَى ... حَدّاً لها قَطُّ وهْي المَشْرَفِيَّاتُ

لجُملة الحُسْنِ أضحَى جامعاً فلذا ... إذا تبدَّى غدَا للناسِ سَجْداتُ

عليك يا جامعَ الحُسْنِ الدموعُ غَدَتْ ... وَقْفاً فها هي جَوارٍ مُسْمِرَّاتُ

يا مَن سَجَا طَرْفُه السَّاجِي ومَبْسَمُه الْ ... عاجِي صَبَا مَن له بالعشقِ سَكْراتُ

وخيَّلتْ لكَلِيم القلبِ مُقْلتُه ... بالسحرِ أن حِبالَ الشَّعْر حَيَّاتُ

وحُسْنُه أصْمتَ العُذَّالَ فيه وقد ... كانتْ تَنازَع فهْي الآنَ أمْواتُ

الخمرُ بالنَّصِّ حلَّتْ في الجِنانِ فلِمْ ... يا جَنَّتي حُرِّمتْ من فِيك رَشْفاتُ

يا ظالماً سُوحُه قلبِي ولا عجَبٌ ... فالظالمون لهم في النارِ سَاحاتُ

قد أنْكرتْ مُقْلتاك اليومَ سَفْك دمِي ... فأكْذَبتْها بخَدَّيْك الأماراتُ

في خَدِّك الشفَق الْقانِي وفيه على ... قتْل الحُسَينِ كما قالوا عَلاماتُ

فهْو القتيلُ بلا ذَنْبٍ له ولِذا ... أضْحتْ تجَلَّى له في الأرض جَنَّاتُ

من نَظْمِ من قد حَباهُ من بلاغتهِ ... بجَنَّة وجَنَى تلك الجناياتُ

فأصبح الطيِّبُ مُذْ فاحتْ نَسائمُها ... في سُوحِنا وغَوالِيه رَخِيصاتُ

ذاك الذي فيه أوْصافُ الكمالِ غدَتْ ... حقيقةً وهْي في قومٍ مَجازاتُ

نَدْبٌ بصَارِمه المَسْنونِ قد وجبَتْ ... قلوبُ أعدائهِ وهْي المُباحاتُ

سُلالةُ الملِك الهادي الذي عُقِدتْ ... له على الخلقِ في الأعْناق بَيْعاتُ

مُرْدِي السيوف فما تشكُو الصَّدَى أبداً ... وكيف تشكُو الصَّدَى وهْي الصَّقِيلاتُ

كم من رُءُوسٍ أبانَتْها صَوارِمهُ ... من العِدَى وهي آياتٌ مُبِيناتُ

ما عمرُو ما مثلُ زيدٍ في الزمانِ له ... على سيادةِ من مَرُّوا زِياداتُ

أبياتُه قد أتتْنا لا قصورَ بها ... كالزَّهْر لا بل هي الزُّهْر المُنِيراتُ

وافتْ على يدِ من يحْيَا الفُؤاد به ... يحيى بنِ أحمد خَصَّتْه التحيَّاتُ

مَن جاد بالدُّرِّ منظوماً ولا عَجَبٌ ... فالبحرُ حقّاً له بالدُّرِّ نَفثاتُ

لو لم يكنْ آيةً في المَكْرُمات لمَا ... تلَتْه في طُرُقِ المعروف ساداتُ

يا كوكَبْي فلكَ العَلْيا ومن سطَعتْ ... في كَوْكَبانَ بما قالا إناراتُ

بدُرِّ نَظْمِكما للهِ دَرُّكما ... طَوَّقْتُماني ولي فيه مَقالاتُ

لِذاك سَجَّعتُ في الأوراقِ مَدْحَكُما ... وللمُطَوَّق في الأوراقِ سَجْعاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>