سلامٌ مِن فَتِيت المِسْك أذْكَى ... ودُون مَذاقِ سَلْسَلِه الرُّضابُ
سلامٌ حَشْوُه وُدٌّ مُصَفىً ... يرُوق فما بتكْديرٍ يُشابُ
ورحمةُ ربِّنا الرحمنِ تُهْدَى ... مع البَركاتِ ما انْهَمر السحابُ
إلى مَن لم يزَلْ للمجدِ خِدْناً ... ولم ينْفَكَّ بينهما اصْطِحابُ
حَليفُ مَحاسنِ الشِّيَمِ الذي لم ... يُدنِّسْ مجدَه مُذ كان عَابُ
سَلِيلُ أكابرِ العلماءِ مَن لم ... يكُن كنِصابِ فضلِهمُ نِصابُ
حُماةُ شريعةِ المُخْتارِ مِن أنْ ... تُضامَ وأن يُخامِرَها اضْطِرابُ
وأوحدُ أهلِ هذا العصرِ طُرّاً ... بما قد قُلْتُه لا يُسْتَرابُ
أليْسَ مُقصِّراً عن نَيْل أدْنَى ... عُلاه الشِّيبُ منهم والشَّبابُ
وَجِيهُ الدِّين ناصرُه فما إن ... يَزال له بنُصْرتِه احْتسابُ
حَماه اللهُ من كَيْد الأعادِي ... وأرْغَم أنْفَهم عنه وخَابُوا
وأبْقاه الإلهُ لنا مَلاذاً ... له في العِزِّ مَرتبةٌ تُهابُ
وبعدُ فإنه قد جاء منه ... كتابٌ سَرَّني منه الخِطابُ
بلغْتُ به من الفرَح الأمانِي ... وزايلنِي برُؤْيته اكْتئابُ
وفَى بالدِّين والدنيا جميعاً ... فما لي غيرُ ما فيه طِلابُ
وكيف فَطَيُّه مُلْك عظيمٌ ... يدُوم فما يُخافُ له ذَهابُ
هو الذُّخْرُ الذي من لم يحُزْه ... ذخائرُه وإن كثُرتْ تُرابُ
وذاك العلمُ أفْضلُ ما تحلَّتْ ... به نفسٌ وأفضلُ ما يُصابُ
وقد أهديْتَ منه لنا نصِيباً ... به منَّا تطوَّقتِ الرِّقابُ
جمعْتَ به المُحرَّر من علومٍ ... جَلاها أهْلُها طابتْ وطابُوا
فنِلْتَ بما أنَلْتَ عظيمَ فضلٍ ... ومغفرةً ويهْنِيك الثَّوابُ
ولا برِحتْ فضائلُك اللَّواتِي ... عَلوْنَ بها لنا يعلُو جَنابُ
ودُمْتَ مُسلَّماً ما لاح مجدٌ ... وفاح عبيرُ نَشْرٍ يُسْتطابُ
الحسن والحسين ابنا الناصر فرسا رهان وعدلا جمل، وصنوا جرثومة في علم وعمل.
ينبت عزمهما الورد يانعاً في اللظى، ويطلع رأيهما الماء جارياً من صم الصفا.
وكلٌّ منهما غيثٌ في كرم، وليثٌ في حرم.
وبدر في أفق، وزهر في خلق.
طوقا اليمن نبلاً ومجدا، وانتحلا بها المعالي انتحال من ملىء صبابةً ووجدا.
في اقتبالٍ من العيش بهما كلف، وحظٍ من الأماني رائح إليهما مختلف.
وكانا يتهاديان شعرا، فيتنافثان سحرا.
ويقتدحان زندا، فيوريان عراراً ورندا.
وشعرهما مثقف المباني، مرهف كالحسام اليماني.
فمما كتبه الحسين إلى الحسن يعاتبه على القراءة في غيبته، وجعل أول كل بيت حرفاً من حروف المعجم:
أذاب فؤادي بارقُ الغَوْرِ إذ سَرى ... بنَفْحة مِسْكٍ من حدائقها شَرَى
بحقِّك خَبِّرْني عن الغَوْر إنه ... حديثٌ صحيحٌ ليس في القولِ مُنْكَرَا
تأمَّل به تلك المغانِي تَلْقَ لي ... لطائفَ فاقتْ في المَحاسِن مَخْبرَا
ثمِلْتُ وقد دارتْ رَحِيقةُ وَصْفِه ... فأنْهلنا التَّسْنيمُ من تلك سُكَّرَا
جرَى ذكرُ أحْبابي برَوْضةِ قُدْسِها ... وقد كُسِيتْ بُرْداً من الوَشْيِ أخْضَرَا
حَوَوْا من مليح الوصفِ كلَّ غريبةٍ ... كزُهْر سماءِ الأرض في حُسْنها تُرَى
خليليَّ ما وافٍ بعهدِيَ أنْتُما ... إذا لم تَقُصَّا وصْفَها لي وتُخبِرَا
دعَوْتكما كي تُفْهمانِي حقيقةَ الْ ... أحِبَّة فيها مُفْرقَيْن وتحضُرَا
ذكرتُ لهم ذكرَ الصِّفات فهاجَ لي ... من الشوقِ ما ألفيْتُه مُتذكَّرَا