رَضِيتُ له هذا طريقاً ومَسْلَكاً ... وصاحبُه فوق النجومِ كما ترَى
زيادةُ مَن فوقَ البسيطةِ لم تكُنْ ... من العلمِ نْقصان وخُسْرٌ بلا مِرَا
سمَا من له العلمُ الشريفُ وَسيلةٌ ... وما فازَ ذُو جهلٍ وخاب من افْتَرَى
شَرَى نفسَه يبْغِي الرِّضا من إلهِه ... فيا فَوْزَه بالرِّبح من خيرِ ما شَرَى
صَبُور على درسِ الدفاترِ مُقْبِلٌ سَرِيٌّ سرَى والصبحُ قد يُحمَد السُّرَى
طويلٌ عليه الليلُ إن بات مُهمَلاً ... قصيرٌ إذا للدرسٍ بات مُؤثِّرَا
ضَجِيعُ كتابٍ لا يفارقهُ ولا ... يُرافِق إلاَّ عالِماً مُتبحِّرَا
ظفرتَ بما أمَّلْت فاشْكُر ولا تكنْ ... مَلُولاً فإن الصيدَ في باطِن الفَرَا
على أنه وافَى نِظامُك عاتباً ... علينا ومنْظوماً نِظاماً مُحرَّرَا
غدَوْتُ به في نعمةٍ لبلاغةٍ ... حَواها وألفاظٍ لها قد تخيَّرا
فوا عجباً من عاتبٍ كان حقُّه ... بأن يُبْتدَى بالعَتْبِ فيما تحرّرَا
قوافِيكَ أوْلَتْنا مَحاسِنَ عدها ... نقولُ وقد خاطبت مَن كان قصَّرَا
كأنَّك لم تعلَمْ بمن سار أشهُراً ... ليحْظَى بعلمٍ ثم عاد مُطهَّرا
له رِحْلةٌ معروفةٌ أنت أهلُها ... فواصِلْ دُروساً دَرْسُها لك يُسِّرَا
مدَى الدهرِ لا تبْرَحْ على الدرسِ عاكفاً ... فما العلمُ في الأسواقِ بالمال يُشترَى
نَبِيُّك لم يتركْ سوى العلمِ فاغتنِمْ ... وِراثتَه بالدَّرْسِ عن سيّد الورَى
وأنتَ بحمْد اللهِ قد صِرْتَ علاِماً ... ولكنْ نظَمْنا ما تراه مُذكِّرَا
هدانا إله الخلقِ نَهْجاً مُبلِّغاً ... إلى جنَّةِ الفِرْدوسِ فضلاً ويَسَّرَا
لئن كنتَ تَرْعَى للحقوقِ فإنَّني ... لأرْعَى لها واسألْ بذلك مَن دَرَى
يريد أخِي قلبَ العِتابِ فقُلْ له ... يحِقُّ لِمثْلي أن يغُصَّ ويصبِرَا
إذا أنا لم أحمِلْ على النفس ضَيْمَها ... سَدَدْتُ طريقاً للثناءِ مُنوَّرَا
بَدا لِيَ عُذْرُ الصِّنْو بعد جَفائهِ ... وذلك أن السحب دام وأمْطَرَا
تَوَالت بذا الأسبوع فضلاً ونعمةً ... فرَام لهذا أن يُقال ويُعذَرَا
ثلاثاً هجَرْتُم ثم زِدتُمْ كمِثلها ... لك اللهُ أرجو أن تُقِيل وتعذِرَا
جرَى ما جرَى منكم من الهجرِ والقِلَى ... وفوق ثلاثٍ حَرَّم الظَّهر ما جَرَى
عليك سلام اللهِ ما ذَرَّ شارِقٌ ... وأسْأر ذُو عَزْمٍ لعلمٍ وما سَرَى
علي بن عبد الله بن المهلا بن سعيد النيساي الشرفي نخبة أهل العصر الغابر، وأفصح من استعمل الأقلام والمحابر.
زجر طير البنان في أوكاره، وجاء بمعدن البيان من أبكاره.
وكان الحسن بن الإمام القاسم يشهد بتقدمه، ويرى مجاريه منتهى قدمه.
وله في مدحه أشعارٌ أعبق من نفحات الأنوار غب القطار، وأشهى من كأس المدامة في مغتنم فرص الأوطار.
فمنها قوله من لامية، مستهلها:
لا تحسَبُوه عن هواكم سَلا ... كلاَّ ولا فارقكُم عن قِلَى
ولا ثَنتْ وَهْنانةٌ قلبَه ... هَضِيمةُ الكَشْحِ صَموتُ الحُلَى
الوهنانة: اللينة الجسم، ناعمته، تكاد تسقط من النعومة.
تفضح بالقَدِّ غصونَ النَّقا ... لِيناً وتحكي الشادِن الأكْحَلا
نَشْوانةٌ ما شرِبت قَرْقَفاً ... سَحَّارةٌ ما عرفتْ بابِلاَ
آهِلةُ الدارِ بأتْرابِها ... لا عَفَتِ اررِّيحُ لها مَنزِلاَ
نسِيمُها حدَّث عن مِسْكِها ... فخَاله أهلُ الهوى مُرسَلاَ