للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بُعْدُ كُتْبي عن الأحبابِ نِسْيانُ ... وقَطْعُ وصلِي لهم واللهِ سُلْوانُ

أو سَلْوةٌ بسِواهم لا وحقِّهمُ ... إنِّي على عهدِهم باقٍ وإن بَانُوا

وكيف أسْلو وفي الأحشاءِ منزلُهمْ ... والقلبُ رَبْعٌ لهم والجسمُ أوطانُ

ومَن إذا شِمْتُ بَرْقاً نحوَ رَبْعِهمُ ... بُلَّتْ من الدمعِ أرْدانٌ وأجفانُ

ومَن إذا الطَّيْفُ منهم زارنِي عجِلاً ... يُشَبُّ في مُهْجتي جَمْرٌ ونِيرانُ

وكتب إليه من إنشاءه جواباً عن كتاب: وقد جاء من تلقائه الكتاب الكريم الشافي، ووصل من نحوه المثال الفخيم الوافي.

جلت طوالعه حنادس الهموم، وحلت نوازعه فوارس البلاغة في يومٍ مشهودٍ له الناس وذلك يومٌ معلوم.

فما تنزل به روح أمانيه من بيان سماء بلاغته إلا لشفاء أوامي، ولا تدلي أمين يراعته على بيان بلاغته إلا لبرء أسقامي.

فما أحلى ما شربت من زلاله المعين صافيا، وما ألذ ما ارتويت من برد نميره المغيث شافيا.

وما أنور ما تبسم به ثغره عن لؤلؤ عتابٍ كريم، وما أعطر ما تنسم به فجره عن روح غفرانٍ من المولى وتسليم.

السيد الحسن بن علي بن الحسن بن محمد سيد تحلى بالحلل السنية، وأربى على أجواد الأسرة النعمية الحسنية.

بفضلٍ مرتوي النبت خصيب، وفكرٍ كيف ما سددته فهو مصيب.

فهو بدرٌ في شيم، وبحرٌ في ديم.

ونور وزهر، في شاطىء غديرٍ ونهر.

وشعره قولٌ حسن، مسند إلى الحسن.

فمنه قوله فيما كتبه إلى الناصر المهلا، على لسان محمد بن صلاح:

ألا باللهِ يا نفسَ الخيالِ ... أعِدْ لي ذكر سالِفةِ اللَّيالِي

وأتْحِفْني بذكْرِ أُهَيْلِ نجدٍ ... وما قد مرَّ في تلك الحِلالِ

وهاتِ الكأسَ صِرْفاً صَرْخَدِيّاً ... بذِكْراهنَّ لي في كلِّ حالِ

فإنِّي إن ذكرتُ زمانَ وَصْلِي ... وما قد مرَّ من حُسْن اتِّصالِي

بمَن أهْواه في عيشٍ خصيبٍ ... وأيامٍ حُلاها قد حَلا لِي

أكاد أذُوبُ من وَلَهِي عليه ... وأضربُ باليمين على الشِّمالِ

وأصْبُو للرُّبوعِ وساكنِيها ... وأبْقَى في افتكارٍ واشتغالِ

وأرجُو اللهَ يجمعُنا قريباً ... بذاتِ النفسِ لا طَيْفِ الخيالِ

ونقْضِي للصَّبابةِ والتَّصابِي ... لُباناتِ التَّواصُل والوصالِ

الحسن بن أحمد الحيمي رئيسٌ سامي المقدار، مشكور السيرة في الإيراد والإصدار.

طلع في أفق البيت الحيمي بدراً تحرس مجده الثواقب، وزين من مجلس إفادتهم صدراً تحفظ طرفيه المناقب.

فهم من ملقاه في ضياءٍ يسطع، ومن رأيه الصائب في حكمٍ يقطع.

وكان معروفاً بعلو الهمة، مقصداً في الأمور المهمة.

ولذلك أرسله الإمام إسماعيل المتوكل رسولاً إلى الحبشة فظهرت له اليد البيضاء في أغراضٍ عين لها، وقضاها بنظره على حالٍ ما تغافل عنها ولا لها.

وقد رأيت له قطعةً من نظمه استجدتها، وطالما أبديتها لحسن ديباجتها وأعدتها.

وهي قوله:

فؤادٌ على نارِ الأحبَّة لا يقْوَى ... وكيف ورَبْعُ العامِريَّة قد أقْوَى

وصبرٌ ولكنْ غالَه الهجرُ والنوَى ... فلا نَفْعَ للمهْجورِ فيه ولا جَدْوَى

ولكنَّني قد ذُبْتُ في الوصلِ بالرَّجا ... وكم ذِي لُباناتٍ تمنَّعَ بالرَّجْوَى

فيا أيُّها الخِلُّ الذي أنا صَبُّه ... عليك بآدابِ الحديث الذي يُروَى

ومُنَّ علينا بالترسُّل إنَّني ... رأيتُ حديثَ المَنِّ أحْلَى من السَّلْوَى

ولده القاضي بدر الدين محمد قاضٍ إذا التبس الأمران، عن له في تمييزهما رأيٌ يحسده النيران.

ليس للماء صفاء فكره ولو تصلف، ولا لبدر السماء حسن وجهه ولو تكلف وكانت الأحكام بفضله مطرزة العواتق، والأيام بحسن تدبيره مأمونة الفواتق.

وهو في كثرة الإحاطة بحرٌ له مشارع، جرى في الصواب على وفق مراد الشارع.

وقد فصل الأدب بدائع فصول، فضل القاضي الفاضل عندها فضول.

وأتى بفرائد منظوم ومنثور، يستهدن لديها كل منقول ومأثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>