للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن شعره قوله؛ من قصيدة كتب بها إلى يوسف بن علي الهادي صاحب الطوق.

مطلعها:

أعِدْ من حديثِ السالفاتِ لنا ذكْرَا ... فللَّه ما أحْلاه دهراً وإن مَرَّا

وكرِّر على سَمْعِي قديمَ حديثهِ ... وقُل إن تُدِرْه ما ألَذَّ وما أمْرَا

ويا ساجعاتِ الوُرْقِ لا هَزَّكِ الهوَى ... كما اهْتزَّ غصنٌ في الرُّبَى بعد ما اخْضرَّا

ولا خُضِبتْ منك الأكُفُّ بعَنْدَمٍ ... كدمعٍ جرى من أسْوَدِ الطَّرفِ مُحمْرَّا

ولا صفَّقتْ منك الجناحان صَبْوةً ... إلى أفْرُخٍ في شاهقٍ أُودِعتْ وَكْرَا

إذا لم تبُثِّي ما كتمتِ من الهوى ... وأحسنُه ما طابقَ الخَبَرُ الخُبْرَا

جفاكِ خليلٌ أم نَبَا بك مَنْزِلٌ ... فما بيننا يا وُرْقُ أن تكْتمِي سِرَّا

وما أنتِ بدْعٌ في غرامٍ ولوعةٍ ... وما الحبُّ إلاَّ ما يُرَى سِرُّه جَهْرَا

كِلانا على الأغْصانِ ناحٍ وإنما ... على قدرِ ما نَهوى تخالفتِ الآرَا

وما أنا في ذِكْرِ العَقِيقِ وأهلهِ ... بأوَّلِ صَبٍ صَبَّ في جَفْنِه التِّبْرَا

فلو سكبتْ عيْناي ما سكبتْ على ... بِقاعِ الدُّنَى وما رأى أهلُها قَفْرَا

رعى اللهُ أيامَ العَقِيقِ وإن تكُنْ ... على بُعْدِه أجْرَتْه من مُقلتِي نَهرَا

إذا استُخْدِمتْ عيني لساكنِه فلا ... عجِيبٌ فإنِّي لست أُدْعَى بهم حُرَّا

ولا عجبٌ إن هِمْتُ في ساكِني النَّقا ... غَراماً فقد شَبُّوه في كبدي حُرَّا

أبَى الحبُّ إلاَّ أن أكون له أخاً ... شقيقاً ولو أني أشُقُّ به الصَّخْرَا

فما لدمُوعِي لا تُنَظّمُ عَسْجداً ... إذا عجزتْ في الحبِّ أن تنثُر الدُّرَّا

بحُبِّ رَشاً ما خامَر العقل حُبُّه ... وأغْراه إلاَّ خِلْتُه خامرَ الخمْرَا

له مُقَلٌ إن حُلَّ عِقْدُ نِقابِها ... فقد حلَّلتْ قتلاً وقد عقدتْ سِحْرَا

إذا ما انْتضَى منها سيوفَ لِحاظِه ... فما أكثرَ القتْلَى وما أرخْص الأسْرَى

وما مِلْتُ منه قِيدَ شِبْرٍ لسَلْوةٍ ... فمن أجلِ ذا العشاقُ تنظُرني شَزْرَا

ومن أجلهِ أرْعَى النَّظير لقَدِّه النَّ ... ضيرِ فأهوَى الغصنَ والصَّعْدَة السَّمْرَا

إذا ما بدتْ للطَّرْفِ غُرَّةُ وجهه ... رأيتَ بها الشمسَ البهيَّةَ والبدرَا

وأعْجَبُ مِن ذا جَنَّةٌ في خدودِه ... فشاهد فيها الماءَ والنارَ والزَّهْرَا

وأعْجَبُ من هذين يكسِر جَفْنُه ... عليَّ وما ضمَّيْتُ من قَدِّه خَصْرَا

إذا قيل لي سَمِّيه قلتُ مُكنيِّاً ... هو الغايةُ القصوَى هو الآية الكبرى

له خلُقٌ كالروضِ بل هو أعجبٌ ... وكيف يُساوِي الزَّهْرُ في خَلْقِه الزَّهْرَا

أُنادِي بأعْلَآ الصوتِ قد حَلَّ يُوسفٌ ... بمصرَ من الآداب فلْتهْبِطوا مصرَا

عليمٌ بأنواعِ البديع وهذه ... خزائنُه من فكرِه أُودِعتْ فكرَا

حَبانِي بنظمٍ لو حُبِينَ بمثلهِ الْ ... غوانِي لِعفْنَ العِقْدَ والشُّنْفَ والشَّذْرَا

إذا قيل لي في الخمرِ سُكْرٌ مُحرَّمٌ ... فمِن غير ذاك النظمِ لا أعرف السُّكْرَا

وإن قيل لي في الروضِ زهرٌ مُنوَّعٌ ... فمِن غيره لا أعرف الروضَ والزَّهْرَا

سطورٌ أتتْني منه وهْي قلائدٌ ... حلَيْتُ بها نحْراً شرحتُ بها صدرَا

كأنِّيَ يعقوبٌ رأى بُرْدَ يوسفٍ ... فلا عجَبٌ إمَّا مُلِئتُ بها بِشْرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>