عليه في حل مشكلاته المدار، وله فيه نباهة المكانة والمقدار.
فمن شعره، ما كتبه إلى أحمد بن حميد الدين، صاحب ترويح المشوق، وهو بكوكبان:
عن أحمدٍ يروِي حديثَ العُلى ... شيْخان أعني قلمِي واللِّسانْ
ذا بدرُ أُفْقٍ زائدٌ في السَّنا ... فاعْجَب لبدرٍ ضمَّه كَوْكَبانْ
وكتب إليه أيضاً:
سار دمعي منِّي إليك رسولاَ ... حين أخليْتَ رَبْعَه المَأْهولاَ
وفؤادي اسْتقرَّ إذْ أنتَ فيه ... يَتراءَاكَ بُكْرةً وأصِيلاَ
ونسِيمُ الصَّبا تحمَّ مِن وصْ ... فِ اشْتياقِي فيه حديثاً طويلاَ
حبَّذا قُرْبُك الذي كان أنْدَى ... في فؤادِي من النسيم بَلِيلاَ
قرَّب اللهُ عهدَكم من ليَالٍ ... لم أكُنْ لاقترابِهِنَّ مَلُولاَ
أتلظَّى جوىً وفرْطَ حَنِينٍ ... إن تذكَّرتُ ظِلَّهُنَّ الظليلاَ
وإذا ما احْترقتُ شوقاً فقَوْلِي ... ليتَ لم أتَّخِذ فلاناً خَلِيلاَ
كنتُ أجنِي ثمارَ أُنْسِك فيهِنَّ ... فبُدِّلتُ بالنَّوَى تبْديلاَ
فأجابه بقوله:
طلب الشوقُ من فؤادِي كفيلاَ ... مُذ تَراءَى وجهُ النهارِ صَقِيلاَ
ومشَى الغُصْنُ في المَطارفِ لمَّا ... عقَد الطَّلُّ فوقه إكْلِيلاَ
صاحبي صاحَ بي لَواعِجُ شَوْقٍ ... يا أخا الصَّبْوة الرَّحِيلَ الرَّحِيلاَ
آهِ والشوقُ ما تأوَّهْتُ منه ... لزمانٍ ذكرتُ منه الجميلاَ
أيّ دهرٍ أسْدَى إليَّ جميلاً ... مُذ رآنِي ذاك الكريم الجليلاَ
وخلِيلاً ما قلتُ لمَّا افْترقْنا ... ليت لم أتَّخذْ فُلاناً خليلاَ
كان يومي به كلَمْحةِ طَرْفِ ... فَغَدا للفِراقِ حَوْلاً كَمِيلاَ
لإمامٍ حاز العلومَ فروعاً ... باسِقاتٍ قد أيْنعَتْ وأُصولاَ
كم أرتْنا فصولُه اللُّؤلُؤيَّا ... تُ إلى مُنتَهى الأُصولِ وصُولاَ
حُجَّةٌ صَيَّر المَفاخر أوْضا ... حاً على طَرْفِ عَزْمِه وحُجولاَ
راسِخٌ في العقول لو فاخر السَّيْ ... ف لأغْضَى في جَفْنه مَفلولاَ
جمَع اللهُ شَمْلَنا وأرانا ... من أسارِيرِ وجههِ المَأمولاَ
قلت: مراده بالسيف، الآمدي، صاحب الإحكام.
محمد بن أحمد بن عز الدين السلفي جامع شمل الآداب، والصارف عمره على الاشتغال والتدآب.
قصد بني القاسم متقياً بهم عارض الباس، مستسقياً روحاً معلقة بخيط الياس.
فأحسنوا إجابته، وقابلوا بالقبول إنابته.
فاغتدى من أجل شيعتهم، الشاربين من زلال شريعتهم.
وانبسطت بالمواهب يده وباعه، وتموجت بذخائر العطايا رباعه.
وشهرته ثمة شهرة الشمس والقمر، وأشعاره فيما بينهم عوض الأحاديث والسمر.
على كل أذنٍ منها لؤلؤةٌ في قرط تترجرج، وعلى كل عطف بردٌ من عمل اليمن يتبرج.
فمن شعره قوله يمدح السيد الحسين بن الإمام القاسم من قصيدة غراء.
أولها:
خَلا أنها تسْبِي العقولَ وما تدرِي ... وما عذرُها في ذاك إلا الهوى العُذْرِي
وإلاَّ فما في العالَمين نظيرُها ... ويكْفيك وَصْفاً أنها غُرَّةُ الدهرِ
سَرَى طَيْفُها ليلاً فذكَّرني الأسَى ... وعهداً بليلَى حيثُ ما طَيْفُها يَسْرِي
فلولا التَّسَلِّي مِن هواها وعهدِها ... لأحْرقتِ الأهْوَا بحَرِّ الجوَى صدرِي
ولكنه أنْسانِيَ اليأسَ أُنْسُها ... وقُلِّدتُ من نَعْمائها بحُلَى التِّبْرِ
عَذُولَيَّ صَفْحاً عن مَلامِي وخَلِّيَا ... فأُذْنَايَ عنها فيهما أيُّما وَقْرِ
سَلاَ هل سَلاَ قلبي إذا لم أزُرْهُمُ ... أم انْطَوتِ الأحشاءُ منِّي على جَمْرِ