هو الحبُّ إن يمْلِكْ فغيرُ مُدافَعٍ ... وإن تحتْكمْ أسبابُه في الفتى يَبْرَى
ومَن شأنِه حَمْلُ الهوى مثلَ مذهبي ... فليس له غيرُ التجلُّدِ والصبرِ
عسَاها يدومُ الوصلُ منها تكرُّماً ... ففي وَصْلِها بين الورى شرفُ القَدْرِ
وما ليلةٌ يأْتيك عنها سفيرُها ... ببُشْرَى التَّلاقي غيرُها ليلةُ القدْرِ
إذا شُبِّهتْ بالأنْجُم الزُّهْرِ أنْفُسٌ ... فما أُنْصِفتْ إن شُبِّهتْ هي بالبدرِ
وإن أطْنبُوا في وصفِ بيضاءَ دُمْيةٍ ... فلا شكَّ يوماً أنها بَيْضةُ الخِدْرِ
ألا لستُ لولا حبُّها أعرفُ الهوى ... وما كنتُ أدْرِي بالقَرِيض وبالشعرِ
قِفَا فلأمْرٍ ما أُوَرِّي بذِكْرها ... على عادةِ التَّشْبيبِ بالنظمِ والنثرِ
حَلاَ غَزَلاً فَنُّ القوافِي وأهلها ... كما حَلَتِ الغِزْلانُ في الحُلَلِ الخُضْرِ
فأسْحَرْتُ في سَبْكِ المعاني بَواكراً ... كما بان لي بعضُ البياناتِ في السِّحْرِ
وما علِق التَّشْبيبُ صدرَ شَبِيبتي ... سناءً ولا ذاتُ الخِمارِ ولا الخْمرِ
ولكن مَدْحَ الطاهرِ الشِّيَمِ الذي ... كَسَا الناسَ ثوبَ الأمنِ في البَرِّ والبحرِ
وأجْرَى ينابِيعَ الهوى والورَى معاً ... وأوْرَى زِنادَ المُلْك بالنَّهِي والأمرِ
وأرْوَى السيوفَ المُرهَفات من العدى ... أُولِي الفِسق والفَحْشاء والبَغْيِ والنُّكرِ
وجرَّد فيهم همَّةً نَبَويَّةً ... فأفناهُم بالجُرْدِ والبِيضِ والسُّمرِ
هو الشرفُ الأعلَى هو الناسُ جملةً ... إذا قيل فيمن دونه أوحدُ العصرِ
فيومُ الأعادي لم يزلْ منه باكياً ... دَماً إذْ له الأيامُ ضاحكةُ الثَّغْرِ
إليك أبا يحيى أتْتك تحية ... تضَوَّعَ من أرجائها أرَجُ البِشْرِ
تجُوب الفَيافِي نحو بابِك مثلما ... تؤُمُّون نحوَ البيت والرُّكْنِ والحِجْرِ
لها شرفٌ يزهو بتقْبِيلها الثرى ... لديْك ومن سُوحِ العلى مثلُها يَثْرِي
بكَرتُ لها فِكراً ومِن وصفِك الذي ... يزِين القوافي فيك ساعَدني فِكْرِي
كما قيل في البانِي الذي وجد البِنَا ... فلا عجبٌ أن طال ما شاد من قَصْرِ
وماذا يقول الواصِفون وهل أتى ... لغَيركمُ من هل أتى مُحكَمُ الذِّكْرِ
وأثْنَى عليكم في المَثانِي دلائلاً ... جَلِيَّاتِ أحْكام تَجِلُّ عن الحَصْرِ
وكان يولع بقصيدة ابن دريد اللامية، التي أولها:
هل الْحُرُّ إلاَّ مَن أفاد فأفْضَلا ... وما المالُ إلا ما اسْتُفِيد ليُبْذَلاَ
دعِيني لهذا المجد أرْعَى سَوامَه ... وإن لم أعِشْ إلا مَلُوماً مُعذَّلاَ
وكان ينشدها مستروحاً بها.
ونظم على وزانها قصيدة في السيد الحسن بن القاسم، أولها:
كفَى المجدَ فخراً أنْ غدا لك مُرسلاَ ... وقد كان للماضين قبلَك مَوْئِلاَ
السيد حاتم بن الأهدل حاتمٌ للأجواد خاتم، وبه فصل السخاء تم.
فحاتم طيٍ طوى به ذكره، ومعن بن زائدة تجاذبه عنده جهله ونكره.
فضائل قامت على الأساس المحكم، وفواصل تكاد تنطق لسان الأبكم.
تخمرت طينته بالندى، وأفرغت في قالب الهدى.
وله من الآداب كلها، ومن المحامد دقها وجلها.
وشعره روض بالزهر مسكي الأردان، كلله الندى فكأنما هو لؤلؤ استخرج من حصاء الغدران.
فمنه قوله من تشطيرٍ لفائية ابن الفارض:
قلبي يُحدِّثني بأنك مُتْلفِي ... عجِّل به ولك البقا وتصرَّفِ
قد قلتُ حين جهِلْتني وعرفْتني ... رُوحِي فِداك عرَفْتَ أم لم تعرِفِ