ينهى والأليق بن تنتهي نفسه الأمارة، عن مكاتبة أهل الخلافة والإمارة.
فإنه وإن كان من الكرام الكاتبين لهم فليس ذلك، وكيف يكاتب مالكه من هو مقرٌّ بالدخول تحت رقه وإنما المكاتبة من المالك.
لكنه وإن كان دونهم فهو يعتقد عدم خروجه عنهم، اعتماداً على ما رفعه أبو رافع إلى سيد الأنبياء: " مولى القوم منهم ".
على أنه إن تصرف في هذا إلا أنها الذي كل رقٍ لحر كلامه مفتون، فهو يعلم صحة إذنكم له ولا ينكر تصرف العبد المأذون.
وورد خبر عودكم المقرون بالنجاح، بعد أن لاح لكم الظفر من مشرق الفلاح، وسفرت لكم شمس الظفر من خلف ستارة الصلاح، وأعربت عن رفع شأنكم بلادٌ بنتها على الفتح عزائمكم التي هي أمضى من بيض الصفاح، وابتسمت لكم ثغورها لما جليتموها من قلح العدى بمساويك الرماح.
والفتح المشرق قد طلعت فيه شمس الخلافة بعد أن أفلت وانسد، وقلت في ذلك مادحاً لكم مقال من أنشأ وأنشد:
لمَّا فتحتَ الشَّرقَ بالْ ... عَزْمِ الذي ما هاب سَدَّا
طلعتْ به شمسُ الخِلا ... فةِ بعد أن أفلَتْ وسُدَّا
وأقسم قسم من بر، إنه لشرقٌ أكثره شر.
فكم أجرى الدمع من الغرب، وأوجب سلب نفوس القادمين إليه فأتى بالإيجاب والسلب.
وأغرب لما أشرق نزيله بندمه، وأطلع بدر القتيل منه في شفق دمه.
حتى جعلت لكم الكرة عليهم، وكانت لكم العودة إليهم.
وحان منهم بآرائك وراياتك الحين، وقال النصر المبين حسين مني وأنا من حسين.
وجردتم كل صارمٍ يفترس ذبابه الأسد، وأعملتم كل لهذمٍ يخشى ثعلبه الأطلس فيرى الفرار من الرأي الأسد.
وصيرتم البيضاء من دمائهم حمرا، والزهراء من أقتام المعارك غبرا.
وكثرت القتلى، ورخصت الأسرى.
وغلى منهم النجيب، وعلا منهم النحيب، وذهل المحب عن الحبيب.
فلم ينشد:
ذَكرتُك والخَطِّيُّ يخْطُر بيْنَنَا ... وقد نهِلتْ منها المُثقَّفةُ السُّمْرُ
وسخرتم بهم بعد أن كانوا ساخرين، وغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين.
وصار:
للسَّبْيِ ما نكَحُوا والقتلِ ما ولَدُوا ... والنَّهْبِ ما جمَعوا والنارِ ما زرعُوا
والحمد لله الذي جعل فناهم في فناهم، وتدميرهم في تدبيرهم.
وصدعهم بالزجاج، صدع الزجاج.
وأراد تصغيرهم، بعد تصعيرهم.
وأعادك في جمع سلامة وهو جيشك الذي لم يدخل واحده وهو أنت شيءٌ من العلل، ومر بهذا الفتح المبين الذي انسد به كل خلل جلل.
والعود الذي هو بمنزلة الربيع، فكم جدد لنا أفراحاً أثنينا عليها بأحسن مما أثنى على كأسه الخليع:
وكَسَا الأرضَ خِدمةً لك يا مَوْ ... لايَ دون الملوكِ خُضْر الحريرِ
فغدتْ كلُّ رَبْوةٍ تشْتهي الرَّقْ ... صَ بثوبٍ من النبات قصيرِ
فهي تختال في زبر جدة خضراء تغذى بلؤلؤ منثور، وإن لم تكونوا نزلتم في منازلكم التي هي مطالع السرور، ومعدن الخلافة التي لم تطور آيتها المرفوعة بيمين النصر إلى يوم النشور.
ففي تقريب الجياد، تقريبٌ من البعاد.
ومع ثنيكم لعنان الرجوع، تستقدمون إليه قدوم السيف إلى غمده، واليمن مشرقٌ من غربه، والسعد موقوفٌ على جده.
وفي أمثال من غبر: لابد من صنعا وإن طال السفر.
ووالله يهنينا هذا الرجوع الذي محا عنا بصبحه أصدافا، فأذهب أتراحا، وأهدى أفراحا، فاخذتا وأسدافا.
ومن محاسنه المقرونة بالإحسان، اقترانه بهذا العيد الذي ختم به شهر الصيام فهما في الحقيقة عيدان.
فإذا ذكرنا معهما هذا الفتح الذي أعرب عن رفع شأنكم بكسر الضد، قويت بتضاعفهما المسرات وعجبنا لاجتماع ثلاثة أعياد في شهر واحد.
وليس ذلك بعجب، فكل أيام مولانا أعيادٌ ومواسم، وكل ساعاته غررٌ في جبهات الأيام ومباسم.
ولقد أراد المملوك أن يهنيك بهذا العيد فقال فكره السليم انتبه، وتمثل له الصواب في مرآه عقله فهناه بك لا أنت به.
وأما المملوك فلم ير أنه عيدٌ لعدم رؤيته لهلاله وهو جبينك السعيد، لكنه رأى اجتماع هذه الأمة وهي لا تجتمع على ضلالة فقام ينشده قول من تبلد عنده لبيد:
عِيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عِيدُ ... بما مضَى أم لأمْرٍ فيه تجْديدُ
أما الأحبَّةُ فالبَيْداءُ دونَهمُ ... فليْتَ بينَك بِيداً دونها بِيدُ