للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالله بيني وبين بيني عن هذا المالك الذي كان لفراقه علي ترة، والسيد الذي في عين الملك رجلٌ إذا كان غيره في عين الملك مرة.

ولا كانت حوادث حدتنا على الوصل فهمزت بنا إلى الدهر فكانت همزة قطع، وغارت من التئام شملنا فاستعانت عليه بيد التشبيب فصدعته أي صدع.

فلا وصل بعد ذلك، ولا مكاتبة فيه للملوك من المالك.

إذا لم يكنْ يا غُصْنُ وصلٌ فإنني ... سأقْنَعُ بالأوراقِ منك على كَمَدْ

فقد فقَد الطرْفُ القريحُ مَنامَهُ ... وقد هَتَن القلبُ الجريحُ وقد وَقَدْ

وقد قد النوى لما غدوت سمي يوسف فؤادي من قبلٍ لا قميصي من دبر، وصيرني في سجن الهموم لما علم أني كنت من قومٍ هم على مفارقنك صبر.

وأجمع رأيه أن يجعلني في غيابات جب الأحزان، بعد أن انثنى عن قتلي بسيف الأشجان.

وجاء على قميصي من دموعي بدم، واسترقني لما استرقني وباعني ببخسٍ بيعاً لم يتبعه ندم.

فأخرجني أيها الملك العزيز برأيك في الوصل والمكاتبة لا برؤياك، واجعلني على خزائن التلاقي إني حفيظٌ بودك عليم بالوفاء الذي يليق بعلياك.

ووف غير مأمور لغير غادر، واحفظ عهد من أضاع فيك كلام العاذلين فأنت قادر.

يا مَن أطعتُ بحبِّه ... مُخالِفاً مُعنِّفِي

اللهَ في مُحافظٍ ... على الولاَ وفي وَفِي

وأقسم بالله إقسام من لا يجعله عرضةً لأيمانه، وبحياة مولانا التي يعلم يودها المملوك لأنها أحد شروط إيمانه، وتحالفت، على إتلاف روحي، التي كدت أن أقول لها بعدك روحي، وما تخالفت.

وما فؤادِيَ مُشتاقٌ بمفردِهِ ... بل كلُّ عضوٍ إلى لُقْياك مُشتاقُ

فلذا سلسلت رواة الجفون أحاديث الدمع بعد أن رفع عنها أثر الكرى، وقالت للشوق المبرح وقد سال شأنه من شأنه أتسيل دمعةً ثم تسأل ما جرى.

وأدمى جوارحي سجع الحمام الصادح، ولم أر صادحاً هو بسجعه للجوارح جارح.

وجرى دمعي ذا ألوان، فقلت لأخي العجب منه هو رب الحزن فكل يومٍ هو في شان.

فلا كان الفراق فلولاه ما باتت الجوانح تحترق، ولا صارت القلوب لاسترقاق الأشواق لها تحت رق.

ولله أيام التداني، ففيها كل أمانٍ من الهموم وفيها نلت أماني.

يا حبَّذا زمنُ التَّواصُل إنه ... زمنٌ كأحْلاَ ما يبُلُّ أُوامَا

لكنه وَلَّى كأحْلامٍ فيا ... أسَفِي على زمنٍ حكى أحْلاَمَا

وقد آن أن أقفي على هذا المنثور بالمنظوم، وأدير على سمع مولانا منه كاس رحيق بمسك الفصاحة والبلاغة مختوم.

وأمدحه بطائية لو رآها الطائي لقال لا طاقة لي بهذه الطا، فهل من طا، أو أنشدت النجوم لطأطأت، وقالت لكل حرف من رويها طأ.

على أني معترف بأن نظمي لا يقوم بنثر مولانا فإنه ذو النظم الأبي، وكيف يقوم نظمي بنظمه وإني لو كنت أبلغ من ابن النبيه في النظم لقيل لي: ما أنت كابن النبي.

ولقد تطاولت إلى مدح مولانا بها مع القصور، وسولت لي نفسي بهذه الأبيات ظناً بأنها كالقصور.

وإذا سكرتُ فإنني ... رَبُّ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ

وإذا صَحوتُ فإنني ... رَبُّ الشُوَيْهَةِ والبعيرِ

ولولا ودٍ حكم بتصديقه كل ذي منطق، ودل بالمطابقة والتضمن والالتزام على أنه في الصحة معرق.

وأضحى حده جامعاً لشرو الصحة مانعاً لكل عللٍ مفسدة؛ لأن جنسه القريب الإخلاص وفصله التحقيق الذي يقصيه عن البطلان ويبعده.

لأطْرَقْتُ إطراقَ الشُّجاعِ ولو رأَى ... مَساغاً لنابَيْه الشُّجاعُ لصَمَّمَا

وقيدت أقدامك فكري عن الخوض في بحور القريض، ومنعت نفسي من وقوعها من انتقادات مولانا في الطويل العريض.

لكنني أعلم أنك الحر الذي يجر على الزلات ذيل المسامحة، وتكسر الجفن عن الخطيئة كما تكسره يوم الوغى والمكافحة.

ولو لم تهزه أريحية عودكم الذي خلع على الملك ديباجاً لا مرطا، لما قال مهنياً لكم مقال من أدار على أفواه المسامع من نظمه إسفنطا:

دنَا مَزاراً بعد ما شَطَّا ... فصيَّر القلبَ له شَطَّا

مُهَفْهَفٌ صارِمُ ألْحاظِه ... لم تنْبُ إن قَدَّ وإن قَطَّا

كم عاذلٍ صوَّبَ عشْقي له ... لمَّا رأَى عارِضَه خَطَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>