فرعٌ من دوحة السيادة أورق وأثمر، وهلالٌ في أفق النجابة أمده النور الإلهي فأبدر وأقمر.
وآباؤه صناديد ضراغم، طأطأ لهم السؤدد وهو راغم.
لهم الشرف الذي أربى على كل شرف، واحتوى على أدوات المعالي من كل طرف.
فكان فيهم سحبان يسحب ذيل فصاحته، وحاتماً يقيم رسم سماحته.
وحسيبهم هذا كالمسند كلما كبر ساد، وكالذهب كلما سبكته السنون زاد.
وله من الشعر بدائع ألطف من سلافة العصير، وروائع أشهى من ربيبات المقاصير.
فمن جيده قوله، من قصيدة، أولها:
حمَى النومَ بَرْقٌ جاء من جانبِ الحِمَى ... يلُوح فأبكَى العينَ لمَّا تبسَّما
وحَرَّك أشْجاناً وهيَّج لَوْعةً ... وأوْدَع نِيراناً بقلبِي وأضْرمَا
وذكَّرني عهْداً وما كنتُ ناسياً ... لعهدٍ مضَى بالرَّقْمَتيْن وإنَّما
يُجدِّد ذِكْراً فوق ذكرٍ فأنْثنِي ... مُبِيحاً لما قد كان مني مُكتَّمَا
رعَى اللهُ سُكَّانَ الحِمَى وحَماهم ... ولَذَّةَ عيْشٍ طاب فيه ومَعْلَمَا
وأيامَ أُنْسٍ قد مضَتْ وليالياً ... تقضَّتْ به والضِّدُّ في عينِه عَمَى
ورَوضاً أرِيضاً كم نعِمْنا بظلِّه ... وظلاً ظليلاً كان للصَّبِّ مَغْنَمَا
سحَبنا به ذيْلَ المَسَّرةِ بُرْهةً ... من الدهرِ لا نَلْوِي على كاشحٍ رَمَى
فللهِ من ظلٍ مَديدٍ ومَجْمَعٍ ... سعيدٍ ومن عيشٍ رغيدٍ تقدَّمَا
وحَيَّى الحَيَا تلك المعاهدَ والرُّبَى ... هَنِيّاً إذا وافَى رَوِيّاً إذا هَمَى
حدائقُ عَلْيا صافحتْها يدُ الصَّبا ... صَباحاً وزَارتْها الشَّمالُ مُعتَّمَا
أُعلِّل قلباً بادِّكارِ مَواطنٍ ... فيزْدادُ وَجْداً بالتذكُّرِ كُلَّمَا
وما بالُ قلبي خافق كُلَّما سَرَى ... نسيمٌ أمِنْه خَفْقَةً قد تعلَّمَا
أقول إذا الحادِي ترنَّم شادِياً ... رُوَيْدَك قد هيَّجْتَ قلباً مُتَيَّمَا
وإن جَدَّ ليلي زاد ما بِي من الجوَى ... فنومِي على الأجْفانِ إذ ذاك حُرِّمَا
ولا غَرْوَ مَن يَلقى كوَجْدِي يرَى بما ... يُقاسِيه أسْقاماً ووَجْداً مخيِّمَا
أحِبَّةَ قلبي هل لأيَّامنا التي ... مضتْ من إيابٍ أو تعود إلى الحِمَى
وهل ذلك الروضُ الأرِيضُ وعَيْشُه الرَّ ... قيقُ كما قد كان فيما تقدَّمَا
فشَوقي إلى ذاك الحمَى شوقُ صادِىٍ ... إلى الماءِ يوماً قد أضَرَّ به الظَّمَا
ووجْدِي بهم وَجْدُ الحسين بنِ ناصرِ ب ... نِ عبد الحفيظ النَّدْبِ أفضل مَن سَمَا
بِجَمْعِ المعالي من طَريفٍ وتالِدٍ ... نسِينا به أخبارَ من قد تقدَّمَا
إذا قال لم يتْرُكْ مقالاً لقائلٍ ... فما قُسُّ في إبْداعِه إن تكلَّمَا
وما ابنُ هلالٍ في مَلاحةِ خَطِّهِ ... وما ابنُ عميدٍ في البلاغة دَعْهُمَا
له رتبةٌ قَعْساءُ ما قَطُّ نالَها ... سِواه ولو كان السِّما كان سُلمَا
إذا زُرتَه شاهدتَ في الأُنْسِ روضةً ... وفي فضلهِ شَمْساً وفي العلمِ خِضْرِمَا
لمجلسِ علمٍ لو تعدَّاه ضَيْغَمٌ ... تأدَّب إجْلالاً له وتحرَّمَا
علومٌ طغَتْ أمْواجُها فتلاطَمتْ ... وصدرٌ رحِيبٌ كالخِضَمِّ إذا طَمَا
منها:
لقد ضلَّ مَن يبْغِي عُلاك جَهالةً ... ودون عُلاك النجمُ أقربُ مُرْتَمَى
ولو بابْنِ حَيُّوسٍ دنَا منك وقتُه ... لعَاد بما تُوليه منك مُعظمَا
وجاوَرَ لُقْماناً وشاهَد يُوسفاً ... وخاطَب سَحْباناً وأمَّ يَلَمْلَمَا
فكم ليلِ شَكٍ قد جلَيْتَ ومَسْمَعٍ ... مَلَيْتَ وكم أوْضَحتَ ما كان مُبْهَمَا