وكم عُقَدٍ أحْلَلْتها وأحَلْتَها ... وكم نُوَبٍ أجْلَيْتَها مُتكرِّمَا
وليس لِما أبْرمْتَ نعرفُ ناقِضاً ... ولا لمَقالٍ أنت تنقُض مُبْرِمَا
السيد محمد بن أحمد بن الإمام المؤيد بن علي بن جبريل سيد بهر بحسن خلقه وخلقه، ولقد أطلق عنانه في المكارم فلم يدرك أحدٌ شأو طلقه.
محاسنه سافرة القناع، ومحامده يتم بها وحدها الإقناع.
ولاه المتوكل بندر المخا فأحمدت سيرته، وظهرت عن سر الكناية سريرته فأمده بالمعونة المتبينة، واستظهر له الرعاية المتعينة.
فلم يزل حتى طوى من مسافة العمر المراحل، وانتهى من لجة بحر الحياة إلى الساحل.
وقد أثبت له من شعره السهل الانقياد، ما استوفى الحسن جملةً فلم يبق فيه محلٌّ لازدياد.
فمنه قوله:
طرَبٌ يهِيجُ اليَعْمَلاتِ سَبالِ ... وجوىً بأطْباقِ الفؤاد ذَوانِي
وتعَلُّلِي بَخِلتْ به رِيحُ الصَّبا ... وتصبُّرِي كَرُمتْ به أجْفانِي
إن الحبيب وقد تناءتْ دارُه ... أغْرَى فُؤادَ الصبِّ بالأَحْزانِ
لو زارني طَيْفُ الكَرَى مُتفضِّلاً ... بجمالِه وحديثِه لشَفانِي
أو لو تفضَّل بالوِصالِ تكرُّماً ... أصبحتُ مِن قَتْلاه بالإحْسانِ
يا عاذِلي دَعْنِي فلستُ بمُرْعَوٍ ... عَذْلُ العِدَى ضَرْبٌ من الهَذيَانِ
من مديحها:
لولا طلوعُ الشمسِ في كبدِ السَّما ... خِلْناه أشْرفَ مِن على كِيوانِ
فكأنه السفَّاحُ منصورُ اللِّوَا ... جاءتْ صوارمُه على مَرْوانِ
وكأنه الهادِي بنُورِ جَبِينِه ... وكأنني المَهْدِيُّ في إذْعانِي
وكأن نُورَ جَبِينه من يوسُفٍ ... فأنا الرَّشِيدُ به إلى الإيمانِ
يا أيها المأمونُ عند إلههِ ... والمُتْبِعُ الإحسانَ بالإحْسانِ
والحاشرُ الماحِي المُؤمَّل للورَى ... تحت اللِّوَا ذُخْراً إلى الرحمنِ
الجارُ والرَّحِمُ الذي أوصَى به ... ربُّ السما ودعاك بالإعْلانِ
فاللهَ فيَّ أبا شَبِير وشَبَّرٍ ... كيلا أخافَ طوارقَ الحِدْثانِ
محمد بن دعفان الصنعاني من آل أبي عمرو أساة القريض، وولاة الجاه العريض.
وكانوا بصنعاء ممن بنوا للآداب منارها، ورفعوا نارها، وأطلعوا وردها وجلنارها.
وهو من بينهم بحر النظام، وبقية الأعلام العظام.
أبده من نطق ولفظ، وأنبه من نظر ولحظ.
وقد وقفت له على أبيات من قصيدة، مدح بها الإمام القاسم مهنياً له بفتح صنعا.
وهي هذه:
هِمَمُ الخَطِير جليلةُ الأخْطارِ ... محمودةُ الإيرادِ والإِصْدارِ
وتفَاضُل العَزَماتِ في أرْبابها ... يجرِي بحسَب تفاضُل الأقْدارِ
والناسُ مُشتبهو الذَّواتِ وإنما ... ليس المَعادِن كلُّها بنُضارِ
إنَّ اليواقيتَ الثمينة لم تكُنْ ... ممَّا تُقاسُ بسائرِ الأحْجارِ
جاء ابنُ حمْزةَ في القياسِ بمُعْجِزٍ ... من جِنْسِ مُعجِزِ جَدِّه المُختارِ
وأتى ابنُ بنتِ محمدٍ كمحمدٍ ... ما أشبهَ الآثار بالآثارِ
كُنَّا عن المنصورِ نَرْجُو مُخْبِراً ... حتى بدَا يُغْنِي عن الأخْبارِ
أحمد صفي الدين بن صالح بن أبي الرجال رأس مهرة علوم اللسان. وناسج صنعاء الحلل الحسان.
توفرت آراؤه للصنائع الناجحة، واختص ميزان حسناته بالأعمال الراجحة.
وله التاريخ الذي أبدع فيه وأغرب، وأطرب بحسن تعبيراته جد ما أطرب.
استكمل فيه الفروع والأصول، واستوفى الأجناس برمتها والأصول.
يأخذ الحق ويعطيه، ويرمي الغرض فلا يخطيه.
وهو إلى ما يريد، أقرب من حبل الوريد.
وله أدب دار به من رحيق البيان معتقه، وملأ الأكمام من زهر روضه مفتقه.
وقد أخرجت من شعره قطعةً أنضر من الروض غصونه تعتنق، وأسحاره تتنسم وآصاله تغتبق.
وهي قوله، في وصف روضة صنعاء الشهيرة:
روضةٌ قد صَبا لها الصُّغْدُ شوقاً ... قد صفا ليلُها وطاب المَقِيلُ